الجمعة، نوفمبر ٢١، ٢٠٠٨

الكحيان ... وواقعنا المتكوس

الكوسة .. من الخضراوات القديمة جدا جدا في مصر، ومصر لم تجلبها أو تستوردها من أي بلاد أخرى، فمصر منبع الكوسة وموطنها الأصلي كما ذكرت المصادر غير الموثوق فيها . ومصر أم الدنيا – ولا أدري من أبوها - هي التي عرَّفت العالم ماذا تعني الكوسة؟ وكيف تزرع؟ وكيف تؤكل؟ وأرشدت الناس إلى 70 فائدة في الكوسة، وقد أضاف مؤخرًا أحد العلماء الكحيانين إلى تلك الفوائد ثلاثين فائدة جليلة، فحصل من أجل ذلك على جائزة أصابع (المحشي) الذهبية ولكنه مات-رحمه الله- في أثناء تناول الطعام في حفل عشاء أقيم على شرف لجنة الجائزة؛ إذ شاءت الأقدار أن ينحشر إصبع من (المحشي) في زوره، ولقد فشل أطباء المصلحة _كعادتهم_ في إسعافه ونجدته فشلا ذريعًا مريعًا. وممن شاهدوا الكوسة قديما في مصر المرحوم عبد اللطيف البغدادي المتوفى في (629هـ) أي منذ 800 سنة تقريبا، وهو يعتبر أول طبيب يكتشف مرض السكر، كان الرجل يبحث بجد واجتهاد عن علاج لهذا المرض اللعين ، ولست أدرى ما العلاقة بين كلامه عن الكوسة وبحثه عن دواء للسكر؟ فهل الكوسة تجلب السكر؟ أم أنها تطرد السكر؟.. ربما أراد عمنا البغدادي أن يستخدمها في علاج مرض السكر والضغط والمناخوليا والفشل العقلي وتسليك المسالك، فاكتشف بعد تجريب طويل أنها لا تصلح إلا في تسليك المسالك فقط، وأنه لو تم خلطها مع الباذنجان لفكت النحس القابع، وحلت المربوط وربطت السائب وتثبت أرجل الكرسي المهزوز أفضل من أي غراء أو مسامير. ورغم أن الكوسة من أشهر الخضراوات في مصر التي تزرع على مدار العام تقريبا وفي مساحات كبيرة جدا ؛ فإن أسعارها الآن لا تسر عدوا ولا حبيبا.. ويعتبرها الكحيانون من الفواكه النادرة التي توجد في منازل طبقة "أصحاب الدخل" أو"محاظيظ الدخل" وربما توجد منها ثمرة أو ثمرتان في منزل أحد اللصوص - وهم من ينتمون إلى طبقة محدودي الدخل- . ولقد تقدم بعض ترزية القوانين والنواب منذ أشهر بمشروع مهم للمجلس المحروق يطالبون فيه بضرورة تغيير شعار خاتم الجمهورية وتبديل صورة النسر الكحيان الدبلان الذي لا ينوي التحليق أوالطيران ووضع صورة لثمرة كوسة عفية وناضجة ، لأن هذا سيعيد للأمة كرامتها ومجدها وشرفها ببركة الكوسة، وهو خير من بناء الكباري وشفط المجاري، لكن المجلس المحروق أجَّل النظر في المشروع فاحترق المجلس، والتهمت النيران المشروع، وقيل إن المجلس حرق بفعل فاعل - لعله البنتاجون أو الموساد- من أجل الحصول على وثيقة المشروع !!
الغريب أن الكحيان أفندي سمع بأذنه التي ستأكلها الصراصير والخنافس في مؤتمر دولي أحد الخبراء المجانين يزعم أن الكوسة في مصر نوعان: كوسة إسكندراني، وكوسة بلدي وراح الخبير يخرف و يهرطق بكلام ما أنزل الله به من سلطان فيه تدليس وافتراء. هنا زمجر الكحيان وارتعشت ساقه وفارت كرات الدم الزرقاء في جثته، فكح ونف في كمه، وطلب الكلمة في المؤتمر ليرد على تلك الافتراءات الخبيثة التي تنطق باسم العلم لتخدم الأغراض الإمبريالية وتحقق أهداف سيدي المحظوظ وزبانيته اللئام ، فقال الكحيان : أيها السادة. اخلعوا البيادة. وافرشوا السجادة. من ادعى أن الكوسة نوعان فقد افترى. ومن قال إنها بنت خالة الباذنجان فقد هذى. الحق أن للكوسة أنواعًا لا تنحصر.. للكوسة ياسادة حضور قوي ينتظم حياتنا كلها فهناك – فضلا عن كوسة وزارة الكوسة اليوسفية – كوسة التوظيف والمحسوبية. وكوسة الانتخابات والصناديق الزجاجية. وكوسة القروض وتسريب اللحوم المجنونة التي أصابها الهبل. والفراخ المزكومة الدائخة التي أدركها الخبل. والقمح المخلوط بالتراب والدشيشة والألبان المشعة والمبيدات المسرطنة التي تسربت بالكوسة وإلى الكوسة ، وكوسة تراخيص البناء القاتلة وكوسة تبرئة القتلة من تهمة القتل من أجل إعمار مصر..

العجيب أن الكحيان أكد بأدلة علمية مشكوك فيها أن هناك علاقة وطيدة بين نبات الكوسة ( squash ) الذي نرى رأسه متجهة إلى تحت ومؤخرته متجهة إلى فوق، وبين استعمال كلمة ( الكوسة) بمعنى : الفساد والرشوة والتسيب، وتلقيح الجثث، واللجوء إلى الوساطة... فقد لاحظ في معاجم اللغة أن مادة ( ك.و.س) تدور كلها حول الفساد بمفهومه ومعناه الواسع فإن (الكوس) هو الغرق . والتكاوس : هو التراكم والتزاحم ، ويقال: كاس الإنسان إذا مشى على رجل واحدة ( وذلك مشي فاسد ) وكاس في البيع : نقص الثمن. وكوَّسه : أي قلبه وجعل أعلاه أسفله . ومما يروى في التراث العربي أن الحجاج بن يوسف قال: (( ما ندمت على شيء ندمي ألا أكون قتلت ابن عمر. فقال عبد الله : أما والله لو فعلت ذلك لكوَّسك الله في النار رأسك أسفلك ...)).وقد ربط الكحيان بين تلك المعاني جميعا وقال: إن قبيلته من الكحيانين لا تستعمل كلمة كوسة خبط عشواء ولا اعتباطا بل تستعملها بوعي وعن قصد، وبدقة لتعبر عن واقعها المتكوس المتحوس الذي تعفن وتعطن وسرح فيه الدود والسوس والبق .

وأنا بصفتي أحد الخبراء الاستراتيجيين في التكاوس المحلي وبصفتي كبير الكحيانين أقترح بناء على ما يعرف بالقرض اللغوي أن تقوم حكومات الشعوب الكحيانة بإقراض أمريكا وما يسمى بإسرائيل هذا المصطلح- بالفائدة المركبة طبعا- وتصديره إليهم فما أحوجهم إليه وما أحوج العالم الغربي قاطبة إليه حتى يتقنوا فن الكيل بمكيالين على أصوله . وإن هذا المصطلح سيكون لهم في غاية النفع والفائدة ، فهو مجرب وفيه الشفاء من سائر الأدواء، ولكن لا يتم هذا القرض إلا بعد أن تتخذ الحكومة الضمانات اللازمة ، ويتم تسجيل حقوق الملكية الكوسية وبراءة الاختراع كيلا يتلكأ اليهود كعادتهم فيدعون ملكية المصطلح بحجة أن معجمهم العتيق فيه كلمة ( كُوس) – وهي بمعنى كأس، وذلك كما زعموا من قبل أن الطعمية أكلة شعبية يهودية وأن الرقص الشرقي كذلك ابتكار يهودي – حدث هذا في أمريكا - وكما ادعوا من قبل أنهم هم الذين بنوا الاهرامات.
وأخيرا أختتم الكلام بقول القائل :

مصر يابلد العجايب فيك حاجة محيراني

نزرع القمح في سنين تطلع الكوسة في ثواني .

الجمعة، نوفمبر ١٤، ٢٠٠٨

مشاغبات كحيانة .. على هامش أمثالنا الشعبية


العِفِشْ لا يموتْ ولا يِضَيَّعْ

أهلنا في الصعيد يظنون أن عمدة النجع رجل عفش والعفش هو البغيض القبيح الثقيل على النفوس الغتت الرذل الذي يقبع في العمودية حتى يشيب الولدان، وتموت النسوان، ويلحس الناس التراب، وينطفأ نور عيونهم وينقطع ماء بولهم.. وبعد حين من الدهر يأتي عزرائيل – بعد خراب مالطة- فيأخذ الروح العطنة العفشة ويرحل بها... فأهلنا يظنون أن العفش لعفاشته يخلد في الأرض، ولا يمكن أن يتوه أو أن تخطفه حدأة أو تدركه سكتة .... وقد أدرت هذه المعاني الجليلة في رأسي الكحيان وتذكرت قول النبي : (( كلكم تموتون وإنما يعجل بخياركم )) فأدركت أن العفش طويل العمر حقا – وأنه ليس لنا في الطيب نصيب- ... ولكن الأدهى أن يترك العفش بعده عُفَيِّشًا معتوها صغيرا يلهو بالعمودية، ويذيق الناس من عفاشته ما لم يذوقوه من قبل على يد العفش الأكبر جنبنا الله وإياكم العفاشة وما يقربنا إليها من قول أو عمل .


الحية تخلف تعبان

هذا مؤكد فإن الكحيان لا ينجب إلا كحيانا مثله، كما أن الفشكول لا ينجب إلا فشكولا والفركوش لا ينجب إلا فركوشا.... وقد قالوا في الأمثال الشعبية : (( فقير اتجوز فقيرة خلفوا شحات ظغير )) ... فهذا من طبائع الأشياء ومن سنة الإله في كونه أن يلد الشيء ما هو من جنسه ... لكن لا يبعد أن تنجب النعجة دوللي هرًّا عجوزا أو كلبا وفيًّا أجرب على شاكلتها. ولا يبعد أن ينجب أحفاد المرحومة الكلبة لايكا – التي غزت الفضاء- كتاكيت وغربان وبوما مشؤوما..هذا وارد فإن لكل قاعدة شواذ، والشذوذ يثبت القاعدة ولا ينفيها... إذن الحية تخلف تعبانا ألعن منها وأسخف... أرجو ألا يسأل القراء عن الرابط بين هذا المثل وسابقه... لأن ما أكتبه هنا بلا رابط غالبا، كما أنه قد جاء عفو الخاطر ولم أتعمده تعمدا .



دود المشّ منّه فيه
أعتقد أن قراءنا الكحيانين يعرفون ما المش ، ويعرفون ما الدود ...والذين يأكلون المش يعرفون أنهم لا يستطيعون أن يتحاشوا وجود الدود الطازج في اللقم اليابسة التي يرفعونها إلى أفواههم، ومن ثم فإنهم ينزلون على رأي الفقهاء الذين يجيزون أكل المش بدوده لتعذر التخلص منه فيأكلونه هنيئا مريئا، وأعتقد أن الدود من البروتينات التي تفيد صحة الكحيانين كثيرا،،وتعوضهم عن زيارة الجزار مرة أو مرتين في العام، وتكسبهم نضارة في الوجه، وتكسبهم بعض الانتفاخ في جثثهم الكحيانة وتمنحهم إدرارا للبول يفوق في قوته قوة العرقسوس ويمنحهم انعاظا قويا في الفراش لا مرمى وراءه، كما أنه لا تركبهم الشياطين ولا تتسلقهم العفاريت إذا أكلوه يوميا بالخبز الجاف. وأرجو أيضا ألا يربط القراء هذا المثل بسابقيه؛ لأني في الحقيقة لا أجد أي رابط بينهم، ومن عنده شيء من العلم في هذه المسألة فليتحفنا ولا يبخل علينا بعلمه .


اكمن أبوك جندي داير تهز وسطك
أرجو ألا يذهب عقل القراء بعيدا ، لأن من كان أبوه جنديا حقيقيا فحريٌّ به أن يكون من حاملي جينات الفروسية والعزة والشهامة والنخوة، فإن مات أبوه عافت نفسه أن يقال عنه : عاش ويعيش وسيموت في جلباب أبيه – فما بالنا إذا كان جلباب أبيه مسروقا- لكن مع الأسف الكثيرون من أبناء الجند لا يفقهون المسألة ، ولا يسمعون عن تلك الشعارات التي تحدثنا عنها، فتجد أوساطهم محلولة ومحزومة ، فيجوبون الموالد والكباريهات والمواخير وعلب الليل والبكابورتات ويقفون على قوارع الطرقات – كما تقف اللقمة في الزور- ليهزوا أوساطهم هزا قبيحا وربما كشفوا عن سوءاتهم ومآخيرهم في الطرقات بلا حياء أو خجل، بل إنهم يمدون أكفهم للناس فإن لم يعطهم أحد، سطوا على ما معه بالقوة ثم يودعون ما نهبوه خزائنهم التي ينوء بحمل مفاتحها العصبة أولو القوة.

طوله طول النخلة وعقله عقل السخلة

نحن نحترم الطوال بشدة خاصة المحترمين أمثال عم فشكول ومن على شاكلته ، فلا يظنن ظان أننا نعمم هذا المثل ونرمي به كل طويل، ففي النفس حاجات وفيكم فطنة ... وهذا ا لمثل الظريف ((النظيف)) يذكرني بقول الشاعر القديم :
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ... جسم البغال وأحلام العصافير. لكن الحمد لله الآن بفضل التقدم العلمي والتطور التكنولوجي والإليكتروني اندثر عقل السخلة؛ ليحل محله عقل البغلة، وصرنا نسمع عن المدينة الذكية والعمودية الإليكترونية، والوزير الآلي والبقية في الطريق إليكم ولكنكم قوم تستعجلون .


حاميها حراميها

أعتقد أن المثل لا يحتاج إلى تعليق مني لا لشيء سوى أني لم أفهم معناه جيدا ولم تسعفني القواميس والمعاجم في فك شفرته ولم يسعفني كذلك كتب مثل: تذكرة داود أو الرحمة في الطب والحكمة ولم يسعفني كذلك كتاب شمس المعارف الكبرى للبوني، ولا كتب الولادة بلا آلام ولا كتب علم الباه العربية ولا كتاب كيف تصبح مليونيرا ؟ فأرجو المعذرة ومن يعرف معناه وشرحه من القراء فليحتفظ به لنفسه .

الخميس، نوفمبر ٠٦، ٢٠٠٨

كحيانيات 2 ( كحيان ومازينجر)




مواقف كثيرة أردت أن أتحدث عنها حدثت معي في سنوات الثانوية، لا أدري بأيها أبدأ ، هل أسردها بصورة متتالية، أم أنسقها وأضم النظير إلى نظيره بصرف النظر عن تتابع تواريخ الأحداث ، أم أسردها سردا عشوائيا وأبدأ بذكر أشدها عُلقة بالذهن .... لنبدأ إذن باشدها عُلقة بالذهن، خاصة أنها تتعلق بعَلْقة مميتة - بفتح العين - كان يدرسنا الرياضيات مدرس من أراذل الناس طويل القامة جدا ضخم الجثة جدا جدا، وقد كان الطلاب يلقبونه بلقب كان ذائعا وقتها وهو (( مازينجر)) وكان مازينجر لا يكف عن استخدام أقدامه وأكفه الغليظة، ولسانه المر، وجلدة لاسعة اجتلبها من بعض الميكانيكية. في أول يوم من العام نلقاه فيه رهبنا وخوفنا من الثانوية العامة، وقال داخلها مفقود والخارج منها مولود، ووضع لنا امتحانا عسيرا في أول يوم يختبرنا فيه في أي شيء لا أدري ؟ ولا تحسبوا أن ذلك كان مراجعة عامة كلا بل هي أسئلة تخيرها بعناية وهو يعلم أنه لن يجيب عليها أحد منا. وبعد أن انتهت الحصة مباشرة تكالب عليه الطلاب يرجونه ويتوسلون إليه أن يسجل اسماءهم في مجموعات الدروس الخصوصية التي يدعو إليها بعد أن فشلوا في الإجابة على أي سؤال من أسئلته، وكان لا يتورع عن إجبار الطلاب على الدروس بالقوة والتهديد .

والعبد لله كان يكره الدروس الخصوصية بشدة وذلك ليس شطارة منه ولا فلاحا، وإنما لأنها كانت في ظنه تقيد الحرية وتعرقل الصرمحة وتسرق منه وقتا طويلا بلا جدوى، فما بالكم إذا أضفنا إلى ذلك ضعف المدرس في مادته. المهم أن مازينجر زاد في رذالته وكاد الطلاب يشقون ثيابهم من غلاسته وبطشه بهم. ومر شهر وشهران وراح يضع امتحانا شهريا وطلب منا أن نعد كراستنا ونجهزها ليصحهها ويضع عليها أعمال السنة، وطلب منا أيضا أن نعد أنفسنا للامتحان الشهري في الحصة نفسها التي سيصحح فيها. والعبد لله لم يكن يخصص كراسة لأي مادة من المواد على الإطلاق لأنه يؤمن أن العلم في الراس وليس في الكراس، ويؤمن أن المدرس الضعيف لا يستحق أن نصنع له كراسا ولا كشكولا، وكان يكتفي بأن يأتي من بيته بورقة بيضاء وقلم فقط ، وقد كان الكحيان أفضل بكثير من زملاء له يأتون بالعباءة والشباشب الزيكو والمسابح الخشبية الغليظة التي نراها عند العطارين - إي والله - وكان بعضهم لا ينفك عن مطواة يضعها في حقيبته أو سنجة طويلة يدسها خاصة إذا كان من المشاغبين الذين يديرون حروبا طاحنة مع فصول أخرى وقد كانت حروبهم طاحنة يتحدث بها الركبان ولم يكن يفضها إلا الشرطة التي اضطرت وقتها أن تصنع لها مقرا في غرفة مدير المدرسة لتقوم بتعذيب هؤلاء الطلاب المشاغبين فيها. المهم تعمد الكحيان ألا يلبي طلب هذا الأستاذ بالذات فلا يحضر له كشكولا ولا يجيب له عن سؤال.

وبالفعل بدأ مازينجر حصته الأولى بتصحيح الكراسات ورصد الدرجات، ونادى اسمي وسألني عن الكراسة فقلت: نسيتها فوبخني وسبني سبا مقذعا، وقال تأتي بها الحصة القادمة، وبعد أن صحح الكراسات كتب الامتحان على السبورة وكان امتحانا عسيرا جدا لم يجب عنه أي طالب من الطلاب سواء العباقرة الأفذاذ أو البله الهمل، والكحيان نسي في هذا اليوم أن يأتي بورقة فاقترض ورقة صغيرة من زميل له ثم قسم هذه الورقة على صغرها إلى شطرين فنقل الأسئلة في وجه من الورقة وعلى الوجه الآخر كتب اسمه وبياناته، وفي وقت تسليم الأوراق تسلم الأستاذ مازينجر ورقتي من أحد الطلاب فنظر فيها مليا ثم احمرت عيناه وتطاير منها الشرروانتصب شعر رأسه وانفرد جناحاه فأطاح بجميع الأوراق التي في يديه عاليا في الهواء، وجرى نحوي جريا وحشيا ثم أطبق على زمارة رقبتي وراح يصفعني ذات اليمين وذات الشمال ولعل قفاي نال حظا من صفعاته، حتى إنني شعرت بابيضاض المنظر أمامي ثم احمراره ثم رأيته مسودا كالليل البهيم، ثم وجدتني طريحا على الأرض، ولأنني صعيدي لم أسكت- وقلت النار ولا العار- فقمت لأهاجمه وقد شتمته بعض الشتائم من عينة : ياوحش.. يامقرف... ورحت أتعلق في رجله الضخمة لأتمكن منه لكن الطلاب بحمد الله قد أنقذوه مني .

ومنذ هذا اليوم أقسمت ألا أحضر له حصة وبررت فعلا بقسمي، وقررت في نهاية هذه السنة الثانية أن أمضي الاستمارة التي تعقب السنة الثانية لتكون انتسابا للأدبي لا للعلمي... وبعد أسابيع قابلني هذا المازينجر في طرقة من طرقات المدرسة وألان معي الحديث وقال لي: لا تزعل كنت أريد مصلحتك، ولابد أن تحضر الحصص، فوعدته ولكني لم أف بوعدي. وقد ترك فيَّ هذا الأستاذ أثرا غائرا إلى اليوم أتدرون ما هو ؟ إنه ضعف الذاكرة الرقمية فأنا أكره الأرقام بشدة وأنساها بشدة أنا إلى الآن لا أحفظ رقم التليفون المنزلي ولا أحفظ رقم الموبايل الخاص بي، لكن من المفارقات أنني استطعت أن أدخل كلية الهندسة، لكني لم أنس إلى اليوم أثر هذا الأستاذ المازينجر. لكن الحمد لله هو على كل حال أرحم من أساتذة اليوم الذين يقتلون أطفال المدارس ويكوون الأطفال الصغار بالنار في الحضانات أليس كذلك ؟.

الجمعة، أكتوبر ٣١، ٢٠٠٨

كــحيانيــات ... - 1-





لا أدري ما الذي جعلني أستعيد فجأة شريط ذكرياتي المهترئ، وأستعيد من نسيجه البالي المراحل التعليمية على وجه الخصوص... ربما كان السبب استغراق مدونتي في أمور تخص التعليم والتعتيم ، وربما كان السبب هو اطلاعي على تدوينة الصديق ماهر الشيال الأخيرة ( أزمة التعليم في مصر ) وربما وربما ....

تذكرت أيام الكتَّاب وكرابيج سيدنا السودانية الملهبة، وحبال التعذيب الإنجليزية التي كانت تزدان بها جدران الغرف الواطئة ، كنت اسمي بيته إلى عهد قريب بيت ( ريا وسكينة) وتذكرت منور بيته الواسع الذي كان ممتلئا بالقمامة عن آخره ويرعى فيه المعز والبط والدجاج . وقد كان سيدنا يسمع الماضي للكتاب كله في نفس واحد، حيث يحتشد جميع الصبية أمامه في الساعة العاشرة صغيرهم وكبيرهم، وكان يفترض بي أن أنصرف إلى الداخل بعد أن أصل إلى تسميع آخر سورة حفظتها ولم أكن أعرف ذلك لصغري وحداثة عهدي بالكتاب، فأضطر من أجل متابعة الجموع الواقفة إلى أن أحرك شفتي أفتحهما وأطبقهما كأني أسمِّع مثلهم، فيفطن سيدنا الأريب إلى ذلك رغم بعد المسافة بيني وبينه ورغم كثرة الطلاب، فيلسعني بكرباجه الطويل من بعيد ثم يأتي ليجذبني من قفاي ويلقي بي في ذلك المنور وينهال علي بالكرباج ضربا..!! لم أفلح في الكتَّاب ولم أنتظم فيه فقد خرجت منه بعد أن أتممت حفظ ثلاثة أجزاء فقط.

وانثالت على ذاكرتي مرحلة الابتدائية الجميلة البريئة، وكتبها الملونة المفيدة التي جار عليها الخبراء باسم التطوير والتحديث، وعلبة الألوان الخشبية التي كنت أنساها في البيت فترسل أمي إلي إخوتي رغم هطول المطر الشديد فيأتونني بها وأنا في المدرسة - يبدو أنها كانت تظنني بيكاسو عصره وأوانه - ولا أنسى قبلات مدرساتي الجميلات اللاتي كن يرشقنني بها عندما أجيب عن أسئلتهم - نوع من الحافز والتقدير البرئ - وهذا لأنني كنت أحسن القراءة والكتابة قبل دخولي المدرسة والفضل يعود - رغم ما ذكرت - إلى سيدنا رحمه الله .. ليته كان يتخفف من عنفه . وتلا ذلك المرحلة الإعدادية، واستوقفني حب أستاذي القبطي لي لتفوقي في مادة العلوم، فقد كان يباهي بي زملاءه كثيرا ، ويدعوهم إلى سؤالي ويلح عليهم في اختباري - أنا الآن لا أفرق بين الأحماض والقلويات ولا أتذكر الكثير من الرموز الكيميائية المشهورة -

ثم كان بعد ذلك الثانوية - مرحلة التدهور الكبير - مرحلة المراهقة والمشاغبة وحب الاستطلاع الزائد، كنا نهرب وبعض الأصدقاء لنمضي أوقاتنا على كورنيش النيل ونختلي في الحدائق الصغيرة هناك ونقيم حلقات ساذجة لتحضير العفاريت والجان، من كتب صفراء كان يقتنيها صديق لنا، ونتناقش في بعض ما قرأنا للدكتور مصطفى محمود - خاصة العنكبوت - بانبهار شديد، ونتلذذ بسرد بعض رحلات أنيس منصور اللذيذة، وكنت أهرب كذلك كل أسبوعين من أجل متابعة الأفلام السينمائية الجديدة في السينما الكحيانة عندنا - خاصة أفلام الرعب والأكشن - ومشاغباتي التي كنت أفتعلها مع المدرسين - كانوا يدعونني في المدرسة بالمشاغب المهذب - كنت أفعل بالمدرسين ما أريد دون عنف أو ضرب - كما كان يفعل زملائي البلطجية - أو دون دفعهم إلى طردي، أثير ضحكهم وأضيع الحصة عليهم - هذا كنت أفعله مع المدرسين الضعفاء علميا من الذين يجبرون الطلاب على الدروس الخصوصية ويهددوننا، كنت أفعل ذلك نكاية فيهم لأني لا أستفيد منهم شيئا.... للحديث بقية .

الأحد، أكتوبر ٢٦، ٢٠٠٨

الكحيان والكتاب الجامعي .... على هامش فشكول والجامعة






لقد عصر العم فشكول بقوة موضعا غائرا وجرحا من جراحاتنا المتقيحة التي لا تكف عن النزيف،ألا وهو جرح الكتاب الجامعي، والحق أن هذه المسألة فيها اختلاط شنيع بشيع، يقف وراءه السلبية والعشوائية واختلال المفاهيم والوصولية في كثير من الأحيان. وإن التجاوز فيها ينتسب إلى أطراف عدة، فهذه القضية من وجهة نظري المتهم فيها : الجامعة بسياساتها التخبيطية، والأستاذ الجامعي بسلبيته وانكماشه، والطلاب - ومن خلفهم الآباء - بما تم زرعه فيهم وتعويدهم عليه من أفكار تربوية خاطئة ومبادئ مشوهة ؛ مثل الاعتماد على الدروس الخصوصية واستظهار الأفكار الملخصة والمبرشمة والمفذلكة والمشوهة، التي قتلت فيهم القدرة على التفكير والإبداع وخلقت فيهم الاتكالية وضعف الشخصية وعدم الاعتماد على الذات .

وأحب أن أنبه إلى أن الفساد في هذه القضية وغيرها، لا يقتصر على كلية دون أخرى ، ولا على الكليات النظرية - كما قيل - دون العملية بل الناس في ذلك شركاء، فالأمر موجود ولكن له أشكال متعددة ومتنوعة ومتلونة ربما لا يفطن إليها الكثيرون، فكثيرون ممن يشترون المراجع الأجنبية لا يعلمون أن الطبعات التي في أيديهم ليست طبعات أصلية بمعنى أن من يبيعهم هذه النسخ، يعيد تصوير النسخ الأصلية ويجلدها مع المحافظة على شكل غلافها ويبيعها بـ 50 أو 70 جنيها وهي في الحقيقة لا تكلفه أكثر من 10 جنيهات مع هضمه لحقوق المؤلفين والناشرين الأجانب الذين لا يرونه ولا يسمعون به، وهذه الأموال تذهب إلى جيوب هؤلاء الناشرين- أو المصورين إن أردنا الدقة - ومن يقف وراءهم من الأساتذة. وإن الطلاب الذين ليس لهم خبرة بشؤون النشر والتصوير والسرقة، قد لا يفطنون إلى الفرق بين الأصل والصورة. هل تعلم ياعم فشكول أنني منذ فترة وجيزة كنت في دورة تلزمنا الجامعة العريقة بها تخص تكنولوجيا التدريس، كان يقوم بالتدريس فيها أستاذ جامعي - من كلية عملية - والغريب أن أغلب البرامج الموجودة على حواسب الجامعة مضروبة - أي ليست أصلية - وهذا الأستاذ كان يأخذ على عاتقه طوال فترة التدريس تعليمنا كيفية ضرب البرامج المحمية والحصول على الباسورد واليوزرنيم وما إلى ذلك ، بل الغريب أنه راح يبرر ذلك ويذكر له مستندا شرعيا دينيا بحجة أننا لسنا تجارا نتربح من الأمر وإنما نحن طلاب علم بغيتنا العلم والمعرفة ..هكذا ، ولن أفند هنا رأيه لأنه متهافت جدا يسهل الرد عليه بالأدلة الشرعية وغير الشرعية، وهذا مثال على تداخل الأمور عندنا وبلادة الفكر واختلال المبادئ والاتكالية والاعتباطية والاستباحة واختلاط الحلال بالحرام....!!


وأنا في الحقيقة أنادي منذ فترة بضرورة إلغاء الكتاب الجامعي جملة واحدة، فإن الكتاب من وجهة نظري هو منبع الشرور، وهو من أكبر العوامل التي تسببت في انهيار العملية التعليمية وفشكلتها وتفريغها من معناها ... لماذا ؟ :

1- لأن الكتاب يعود الطالب البلادة والتكاسل، ويجعله يحرم على نفسه دخول المكتبات، فلا يحاول السعي إلى زيادة حصيلته العلمية والمعرفية، وإنما يقنع بالمادة الضئيلة المدونة يستظهرها إلى أن يحين وقت الامتحان فيستفرغ ما حفظ في ورقة الإجابة ثم ينصرف كأن شيئا لم يكن .

2- لأن الكتاب الجامعي يقمع أي فرصة لانتاج مشروع باحث علمي مقتدر يحقق ويدقق ويجادل بطريقة منهجية، مستخدما المناهج المفيدة التي يُفعِّلها من أجل الوصول إلى النتائج السليمة بلا دجل أو شعوذة أو فبركة أو تلفيق، فالكتاب يعود الطالب على الفكر الواحد والاتجاه الواحد ويزرع فيه روح الاتباعية والإمعية وربما الآبائية - من قول الكفار هذا ما وجدنا عليه آباءنا - .

3- وإن الكتاب الجامعي ليسقط هيبة الأستاذ تماما؛ لأن الطلاب يستحقرونه عندما يضغط عليهم من أجل شراء الكتاب، بوسائل متخلفة مضحكة مثل فكرة الشيت، وفكرة تسليم البطاقة الشخصية مع الإمضاء عند الناشر - حدث هذا معنا والله - وربما طلب الأساتذة في السنوات القادمة الفيش والتشبيه ، والـ DNA. !!!


والله لقد جرب معنا أحد الأساتذة الأفاضل فكرة إلغاء الكتاب - وقد اعترض عليه الطلاب وشكوه في أول الأمر - فاستمتعنا بمحاضراته، وكنا أشد تعلقا بالمكتبة نزورها كثيرا على غير المعتاد، وقد حصلنا من المعلومات أضعاف أضعاف ما كنا نتوقعه، وقد كان هو يحدد لنا الأفكارالعامة بدقة في كل محاضرة، ويلخصها لنا في المحاضرة التالية ليذكرنا بما قاله من قبل ثم يرشدنا في كل محاضرة إلى المراجع المهمة المفيدة، وقد كان يراعي في المصادر أن تكون متوافرة بمكتبة الكلية، ولا يلزمنا بحرفية ما يقول، وانتهى العام وقد انحفرت المعلومات في عقولنا، وارتفعت درجاتنا في الامتحان ولا أتذكر أن أحدا قد رسب في هذه المادة، فالأمر كان سهلا ميسورا على عكس ما يتوهم الطلاب وإن كان يحتاج إلى بعض الضوابط والنفوس السوية التي تتقبله، وحتى لا أنسى أقول إن إلغاء الكتاب أدى إلى حرص الطلاب على الانتظام في الحضور وعدم التغيب اتكالا على الكتاب، وأدى إلى عدم تسكعهم في الكافيهات وممرات الجامعة وسراديبها التي يفعلون بها ما لا يليق - في حين يظن أهلهم بهم خيرا - هذا فضلا عن ترددهم على المكتبة وتكرار زيارتها!!!.

لكن الذي يحدث أن الجامعة بسياستها العقيمة قد عودت الطلاب على الكتاب، وهي في بدء العام الدراسي تنبه الأساتذة وتحثهم على سرعة إصدار الكتاب، والناشر من ناحية أخرى يفتك بالأستاذ ويضعه بين أنيابه، فهو يرهبه ويحذره ويلزمه بضرورة تهديد الطلاب لحجز الكتاب حتى لا يضطر أن يدفع هو - أي الأستاذ- ثمن ما تم نشره من جيبه في حال عدم شرائهم الكتاب، كما يفرض الناشر على الأستاذ توقيت توزيع الكتاب وغالبا ما يكون قبل الامتحان بأسبوع أو أسبوعين، ويفرض عليه خامة الورق وكمه وسعره ، والأستاذ يضطر إلى التسليم والخضوع حتى لا يقع تحت مساءلة الجامعة، وحتى لا يفتك به الناشر - الذي يحصل على نصيب الأسد مضاعفا من تلك الكعكة - ومن هنا يضطر الأستاذ إلى الضغط على طلابه وتهديدهم مما يسقط هيبته ويمرغها في التراب ، والذي يدفعه إلى ذلك أن من المعتاد أن نصف الطلاب أو أكثرهم يلجأون إلى تصوير الكتاب ساعة نزوله بسعر أرخص، ومن ثم يلجأ الناشر إلى رفع السعر واختيار الخامات الرديئة ليحقق أكبر مكسب ممكن وليعوض ما فاته . ومع ذلك فأنا لا أسوغ فعل الأستاذ على الإطلاق لأن في إمكانه أن يقهر هذه الظروف بقوة شخصيته وقوة إرادته وتضحيته وتعاونه مع أقرانه الشرفاء، بهذا يمكنه أن يفرض الصحيح والصواب،وأن يقتلع الفساد من جذوره ويحرر الجامعة من ربقة العبيد الذين يحكمونها ويسوسونها ، لكن الجميع يا سيدي يؤثرون السلامة خوفا من ثورة الطلاب وآبائهم - في حال لا قدر الله فشلوا- وخوفا من التقارير إياها التي تخسف بهم الأرض وتحرمهم الترقيات والتعيين في المناصب الإدراية العليا وتحرمهم السفر وما إلى ذلك !!! .

الثلاثاء، أكتوبر ٢١، ٢٠٠٨

الكحيانــون ... فكــر جديـد لمستقبــل سعيـد - 1 -






أنصت الكحيانون جيدا إلى مفكرهم الكحيان الذي سكت دهرًا ونطق فكرًا بعد إدانته للفكر الحكيان المعاصر واتهامه له بالتقصير، وإشارته إلى ضرورة إيجاد حلول إبداعية لمشكلات الكحيانين الوجودية والغذائية ؛ وإشارته إلى إنه مازالت هناك كنوز كثيرة لم تفض مغاليقها بعد. وقد ذكر فيما ذكر فكرة استغلال الدارسين العرب – الخليجيين على الأخص - ولكن ظلت هناك إشكالية قائمة تعكر صفو الكحيانين، وتقف دون شروعهم في ذلك الاستغلال، ألا وهي السؤال عن مدى أخلاقية استغلال الدراسين العرب، و مدى تأثير ذلك في قيمة العلم ومدى تأثيره على سمعة التعليم في مصر، وسمعة المصريين عامة في بلاد الجاز ....


ولكن ماذا عليهم في ذلك ؟ ماذا يضيرهم ؟ فإن الحكومة - وهي القدوة- لتحثو من أموال العرب وتملأ جعابها بلا خجل، فهي على سبيل المثال - لا الحصر- تلزم من يتقدم إلى تمهيدي الماجستير منهم بدفع ما يزيد على 20 ألف جنيه - هي تحاسبهم بالاسترليني طبعا- وضاعف عزيزي القارئ هذا الرقم في الماجستير والدكتوراه، هذا فضلا عما يعود على خزائن الدولة من فوائد من جراء إقامتهم وسياحتهم في البلاد وهداياهم الثمينة التي يرشون بها الموظفين والأساتذة الكبار، وحتى لا أنسى أذكركم أن الجامعة قد رفعت أسعار التقدم لنيل هذه الشهادات على المصريين الفقراء منذ ما يزيد على عام رفعتها إلى خمسة أضعاف دفعة واحدة، ولا ندري أين تذهب كل تلك الأموال، مع العلم أن جامعة القاهرة وجامعة الأزهر بالقاهرة على وجه الخصوص يحققان أرباحا طائلة من جراء ذلك، ولا ندري حقًّا أين تذهب تلك الأموال ليت أحدا يجيبنا بحق !!!..

إلى هذا الحد كان يمكن ألا تعاب هذه الأمور على الحكومة، ولكن الذي ضايق الكحيانين ومن أجله ثارت ثائرتهم أن الحكومة كي تحافظ على هذه ا لدجاجة التي تبيض ذهبًا، فإنها تأتي أمورًا شائنة، وتتخطى كل الأعراف والقواعد الأخلاقية والعلمية، فتتهاون معهم وتتجاوز عنهم فيما لا يجوز التجاوز فيه، تتهاون معهم في نسبة الحضور التي يتحدد على أساسها دخول الطلاب الامتحانات أوحرمانهم منها، وتحرص على ألا يرسب طالب منهم ألبتة، وهذا مالا تفعله مع المصريين الحكيانين الذين تطبق عليهم القواعد بصرامة فيحرم أكثرهم دخول الامتحان لنقص يوم أو يومين في الحضور، رغم أن مايدفعهم إلى ذلك ظروف قهرية غالبا مثل العمل والسفر من محافظات أخرى بعيدة وكذلك يرسب أكثرهم في الأدوار الأولى. وقد أخبرني معيد كحيان بأحد الأقسام بكليتي،أن رئيس قسمه في نهاية السنة التمهيدية طلب إليه أن يعد قائمة بعد حصر الغياب بأسماء الطلاب الذين سيحرمون من دخول الامتحان لتقصيرهم في نسبة الحضور، قال ذلك الكحيان: وجدت أن القائمة بها عرب كثيرون ومصريون كذلك، وسلمت الورقة لإدارة الدراسات العليا وفي الامتحانات - والكلام له - فوجئت أن المصريين فقط هم المحرمون من الامتحان في حين أنه لم يحرم من الامتحان عربي واحد، وعندما تساءل عن السر في ذلك قيل له : إنها أوامر عليا !!! .

والغريب أن هذه الشروط لا تسرى على العرب، رغم محدوديتهم وقلة إمكاناتهم العلمية -إلا من رحم الله- ورغم أنهم أقل نشاطا وأقل رغبة في طلب العلم، وأنا أعترف أن إخواني العرب لا ينقصهم الذكاء ولا القدرة، ولكن جلهم يريد هذه الشهادات للوجاهة والتباهي بها، ومن أجل الوصول إلى المناصب السياسية العليا في بلادهم، وقد اعترف لي غير واحد بهذه الحقيقة المؤسفة، وقد زاملني بعضهم في التمهيدي، وكانوا إذا طلب منهم بحث أو تقرير أو ببليوجرافيا أتوا بها على الفور، فهم يدفعون لبعض الباحثين الكحيانين من المصريين فيفذلكون لهم الأبحاث في سويعات مقابل أسعار يحددونها، وبعض هؤلاء كان يقوم بإهداء الأساتذة هدايا ثمينة ( جوالات لا يقل سعر أحدها عن 3000 جنيه، أو لاب توب غالي الثمن، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى إهداء سيارات فخمة...) وذلك حتى يتجاوزا عنهم، وييسروا عليهم، وعندما سألت أحدهم : فيم تحتاج إلى الدكتوراه ؟ قال أنا لا أحتاج إلى العلم وأحتاج للدكتوراه من أجل أن يتم تعييني وكيلا للوزارة في بلادي. وقال آخر: أنا لا أريد علما ولا زفتا إنما أريد الشهادة للوجاهة الاجتماعية، وقد حاول الأخير أن يغري زميلا لنا وأن يستقطبه من أجل أن يفذلك له رسالة الدكتوراه. وأما عن الأساتذة فحدث عن المصالح والتربيطات معهم ولا حرج؛ حتى إنك تجد هناك أستاذا يحتكر أهل الكويت وآخر يحتكر أهل السعودية، وثالثًا يحتكر أهل قطر... إلخ فيقال: فلان (بتاع) الكويت وفلان (بتاع ) السعودية ... والعرب يأتون من بلادهم قاصدين فلانا أوعلانا بعينه ومعهم توصيات خاصة... وهؤلاء الأساتذة بالطبع يحتقرون - بالقاف لا بالكاف- بجانب ذلك الاحتكار المصريين الفقراء الكحيانين....
هؤلاء الأساتذة - وهم كثيرون - يتجاوزون عن العرب في نسب الحضور، ويمنحونهم في بحوثهم الركيكة التي فذلكها لهم ضعاف العلم والنفوس من المصريين الدرجات العليا، وينجحونهم أجمعين في الامتحانات ويضعون لهم خطط الماجستير والدكتوراه بأنفسهم، ويدافعون عن أغلاطهم في السيمنارات دفاعا شديدا بلا حياء أو خجل، ويدافعون عنهم في المناقشات دفاعا مستميتا يتجاوز كل الأعراف ويظلون بأعضاء اللجان حتى يمنحوهم الامتياز مع مرتبة الشرف وأغلب رسائلهم- لمن يحضر المناقشات- ركيكة جدا وضعيفة جدا . والكحيانون الآن يبحثون مسألة مشاركة هؤلاء الكبار حق الانتفاع بهذه الثروة العظيمة وذلك الكنز الثمين، عن طريق كتابة الأبحاث للعرب، ومساعدتهم في لجان الامتحانات، وصنع خطط الماجستير والدكتوراه وما إلى ذلك ... وهذا بلا شك سيحسن كثيرا من أوضاعهم المادية المتدنية للغاية .....
للحديث بقية

الاثنين، أكتوبر ١٣، ٢٠٠٨

تـداعيــات مــؤتمـــر الكحيانيـن العام







أبدت بعض الجهات المراقِبة ارتياحًا كبيرًا لتجديد الخطاب الكحيان، ونبرته غير المألوفة ، وإيجابيته في الإحساس بالمشكلة والسعي إلى حلها بصرف النظر عن صحة هذا السعي أو سلامة ذلك الإحساس . ولقد رأت أن هذه الخطوة تدل على تلاحم المنظومة الكحيانة بقدها وقديدها بالمنظومة العامة، وعلى التزاقها الشديد بفكر العولمة والخصخصة والتعويم والغطس (والغطس مشتق ومنهوب من مصطلح الكتلة الغاطسة الذي سكه عالم الاجتماع المشهور حسن الساعاتي وقد عنى به كتلة الفقراء ) وأخيرًا أشادت هذه الجهات بارتفاع نسبة الشفافية في مجمل الحركة الكحيانة وأجهزتها وهو ما لا يتوافر لأضخم المؤسسات المصرية على ما تدعيه من شرعية .

وعلى صعيد آخر أبدت بعض الجهات تخوفها من الكحيانين ومؤتمرهم، وأبدت شكوكها في حسن نواياهم وقدحت في وطنيتهم ؛ وذلك لقيام مؤتمرهم على أسلوب الغمز واللمز، والفضح والتعرية ونشر ( الغسيل ) القذر، وأشارت بكلام شبه مؤكد إلى عمالتهم ووقوف جهات أجنبية وراءهم، ولم تستبعد أن يكون الكحيانون وراء خطف السياح في الجنوب ووراء الحرائق الغامضة والانهيارات المدمرة التي منيت بها مصر مؤخرًا وكذلك السحابة السوداء التي سوف تهل في الأيام القادمة . وفي الوقت نفسه صب بعض المنتفعين من طبقة الكحيانين الجدد المعروفة بالطبقة المتحولة ( متحولة لأنها حققت طفرة كبيرة باختراقها للتقسيم الطبقي الراسخ في مصر وتحولها من طبقة معدومي الدخل التي تمثل 90 بالمئة من الشعب إلى طبقة محدودي الدخل التي تلقى عناية فائقة من الدولة في خطاباتها وبرامجها الفعالة ووعودها العرقوبية وخططها ذات الأمداء : الطويلة والمتوسطة والقصيرة ) صب هؤلاء جام غضبهم على الكحيان وكل من شاركوا في المؤتمر، لأنه شوه صورتهم أمام الرأي العام العالمي وأمام السياح والأجانب الوافدين، وجلب شماتة الأعداء من اليهود والأمريكان والشيعة ومن لف لفهم؛ ولكن بعض المحللين أرجع غضب هؤلاء المتحولين إلى تضررهم من العيون التي سوف تبث حولهم من أجل مراقبتهم والتلصص عليهم وكتابة التقارير السرية فيهم وإحالتهم إلى مجالس تأديبية أو إلى محاكم عسكرية لا يرد قضاءها راد؛ وذلك لأن مؤتمر الكحيانين قد لفت الأنظار بقوة إلى ظاهرة الدروس الخصوصية في الجامعة
.

أما من جهة الفتاوى التي أفتى بها الكحيانون ، فقد أيدت بعض الجبهات الشرعية المستقلة ذاتية التمويل فتوى الكحيانين، ورأت أنها موافقة للأصول الشرعية، وأن الكحيانين ممن يملكون تحقيق المناط وإنزال الأحكام في مثل هذه المسائل ، فهم أهل الذكر في هذا الشأن، وأشارت إلى أن في الأمر تيسيرًا على الخلق ورفعًا للبلاء ودفعًا للغلاء، وأنه يقوم على تبادل المنافع مع انتفاء الضرر في حق الطرفين وانتفاء شبهة الاستغلال. ودعت إلى ضرورة التوسع في هذه الخطوة الطيبة المباركة وتعميمها في كافة هيئات التدريس . وتجدر الإشارة هنا إلى أن مفكرًا كبيرًا من مفكري الكحيانين ممن يتوارون عن الأنظار ويعملون في الظل قد أبدى استياءه من ضحالة الفكر الحكيان المعاصر ، وأشار إلى ضرورة إيجاد حلول إبداعية لمشكلاته الوجودية والغذائية ؛ فإنه مازالت هناك – على حد تعبيره- كنوز كثيرة لم تفض مغاليقها بعد ، ولقد تفتق ذهنه في أثناء الحديث عن فكرة عبقرية مدهشة ، وهي أن يقوم الكحيانون بالتوسع في استغلال الدارسين العرب – الخليجيين على الأخص - وقد أفاض في الحديث عن هذا الجانب وكشف عن الكثير من المستور والمسكوت عنه، وهو ماينوي الكحيانون إفراده بحديث منفرد إن تيسر الأمر .




الثلاثاء، أكتوبر ٠٧، ٢٠٠٨

مؤتمر الكحيانين العام - ( الدروس الخصوصية بين الفرض والوجوب)











مقدمة المؤتمر :

ضاقت السبل بالكحيان ، واسودت الدنيا في وجهه.. صار يحلم كثيرا بطاقية الإخفا، وفانوس إسماعيل ياسين، وأفاعيل روبن هود ..راح يحك صلعته السيراميكية ويمرر كفه عليها جيئة وذهابا حتى تحمر ويزيدها حكا حتى تسود وتربد، ينتف شعيرات أنفه الشائبة، وينظر إليها في حسرة قائلاً : ( شيبتني الهموم قبل الأوان ..وهذا نذير الخراب والاستحالة إلى التراب ) ... الزيادة المزعومة التي امتنت علينا بها الجامعة لم تأت إلى الآن – كان ينوي تخصيصها أجرة للتكاتك (جمع توك توك) بعد غلاء الوقود- مر عليها أربعة أشهر ولم تأت.والوزير (لعلها مشتقة من الوِزْر) يفسو - تقرأ بالقاف أيضا- ويقسم بكل الأيمان والمواثيق والمعاهدات الدولية ( السلام ، الكويز، الجات ...إلخ )على أن الزيادة قد وصلت بحمد الله سالمة لا شية فيها ،وتم قبضها ولم يعد في الجامعة كحيان ولا عار ولا جائع ولا دائخ ، وقال الوزير: إن ما يشاع ليس سوى أراجيف يرجف بها المرجفون ومن في قلوبهم مرض ، وقد أقسم صحفي كحيان للوزير أن زوجته المعيدة بإحدى كليات الجامعة لم تقبض شلنا منذ أن وعدت الحكومة وعدها المبارك إلى يوم الناس هذا !! .
تجشأ الكحيان وتكرع مشًّا - المش نوع من الجبن القديم المرصع بالديدان وقد أفتى الفقهاء بجواز أكله بالدود لأنه يصعب الاحتراز منه - وتكرع زيتا وبصلاً ، ثم هوى بقبضته الضعيفة على الطبلية المتهالكة فتهاوى صحن المش وانكفأ بدوده على الأرض، وساح الدود وظل يزحف حتى ولج سروال الكحيان دون أن يشعر به ، ومنه توغل حتى أشرف على مناطق استراتيجية حساسة، هنا صرخ الكحيان من الألم والإثارة قائلاً قولته المأثورة التي ذهبت مثلاً: لكل كارثة حل .. لكل كارثة حل!!.


أحداث المؤتمر :

دار الحوار ساخنًا في غرفة الكحيانين حول جدوى اللجوء إلى الدروس الخصوصية لحل مشكلة الانهيار الاقتصادي والاضمحلال النفسي والفقر الدموي للمعيدين ، مع الإقرار بأن هذه الظاهرة بدأت في التفشي في الأيام الأخيرة مما أقلق بعض المتحفظين وعقلاء الكحيانين الذين يتمسكون بهيبة الأستاذ وإن سار- من أجلها- في الناس بمرقوع الثياب أو سار عاريا بعورته. امتعض أحد الكحيانيين وقال معترضا: عن أي هيبة تتحدثون يا أساتذة ؟ إن المعيد لم يتبق أمامه إلا أن يسرق أو أن يعمل شحاذا بعد الظهر .. وكيف يهابه طلابه وهم يرونه ممصوصا دائخا مرقوع الثياب أو في أحسن أحواله يرتدي ثوبا واحدا كأنه في حالة حداد ؟!!!

وبعد حوار طويل ضاف صال فيه الكحيانون وجالوا تطرقوا إلى الحكم الشرعي للدروس الخصوصية أحلال هي أم لها حكم آخر؟ قال مؤرخ الكحيانين في حياد تام بعد أن مسح ربع صلعته : الأصل في الأشياء الإباحة مالم يرد نص بالتحريم وما يؤدي إلى الحرام فهو حرام ، وما يؤدي إلى الحلال فهو حلال – وهذه قد اخترعها من عنده- ولا ضرر ولا ضرار ومن مقاصد الشريعة حفظ النفس والعرض ، وللضرورة أحكام ... من هذا المنطلق أرى أن الدروس الخصوصية حلال .. حلال.. حلال قالها ثلاثًا مع مد الأخيرة وتنغيمها .

قال الكحيان : أنا لا أحرمها لكنها عندي كالميتة للمضطر، وهي في أحسن الأحوال من الحلال الذي تعافه النفس . وقال آخر بعد نوبة سعال شديدة كادت تودي بحياته وبعد أن تنخم نخامة غليظة سوداء دفنها أسفل السجادة المهترئة التي امتنت بها علينا إدارة الكلية : الأمر لا شيء فيه ، إذا كان يخلو من شبهة الإكراه ولي أذرع العيال، فهو عرض وطلب، وراح يستدل على كلامه باستدلالات فريدة من القرآن لم تخطر على بال مخلوق، واستدل بفعل الصحابة وأخذهم الأجرة على القرآن ، وراح يسرد تاريخ محفظي القرآن ومعلمي الصبيان من لدن بني أمية إلى عهد الكتاتيب التي بدأت في الانقراض منذ ربع قرن أو يزيد، وخلص من ذلك إلى أن الدروس الخصوصية لا شائبة فيها فهي – بقياس الأولى - أولى بالأجر فصفق له الجميع تصفيقًا حادًّا ، وبعد التصفيق تابع قائلاً: و إحقاقا للحق فإن الدروس الخصوصية تدور عليها الأحكام الخمس : فهي واجبة في حق المعدمين العزَّاب من الكحيانين، ومندوبة في حق البعض ومباحة لآخرين أما عن الكراهة والحرمة فرأى أن الحكمين لا وجود لهما في هذا العصر المبارك الأغبر والله أعلى وأعلم . وأخيرًا أفاق أحد الكحيانين من غفوته وكان بين الإغماء واليقظة وقال : لكن ياجماعة لا بد للأمر من ضوابط وروابط وألا يترك سبهللا، فأيده الجميع، وشرعوا في وضع الضوابط والروابط التي تضمن سير الدروس في مسارها السليم .


توصيات المؤتمر :

بعد شد وجذب ، وصراع وبكاء، وخصام وصلح خلص الكحيانون إلى هذه الضوابط والشروط :
1- يؤدي المعيد أولاً ما عليه من حق لطلابه حتى ينقطع نفسه، ولا يقوم بالترويج للدروس ولا يربط بينها وبين أعمال السنة أو جلب النتيجة من الكنترول قبل أوانها ولا يربطها كذلك بالتغاضي عن مسألة الحضور والغياب .

2- إذا أدى المعيد الدروس بحجرة المعيدين ، فيلزمه الحذر من أعين البصاصين والخباصين، كما يلزمه دفع إتاوة ( نسبة 20بالمئة من حصيلته) وهذه النسبة تخصص لرفع القمامة من غرفة المعيدين وتنظيفها وشراء زجاجات بلاستيكية نظيفة للشرب، وتغيير السجادة الممزقة، وإصلاح المقاعد المنبوشة والمنكوشة .

3- لا ينفرد المعيد بتدريس الفتيات الجميلات بل لابد من أن يحشر بينهن المتوسطات وبعض الذكور ليتجنب قالة السوء .
4- أن يتصدق المعيد من مال الدروس - بالربع على الأقل –على اليتامى والمقطوعين والأرامل وقطاع الطرق والطاعنين من الكحيانين ومستشفيات الحكومة والملاجئ والمورستانات حتى يبارك الله في رزقه .

5- أن يخصص المعيد هذا المال لركوب المواصلات ، ودورات الجودة التي تفرضها عليه الحكومة، ولإصلاح هندامه ولا ينفق شيئا منها في مأكله أو مشربه .

6- أن يزرع المعيد في طلابه حب الوطن ، وتقديس العلم واحترام العلماء، والجد والاجتهاد من أجل تحقيق شعار ( مصر بتتقدم بينا ) . وكل عام وأنتم بخير ( تنبيه : لا تنس عزيزي الكحيان التصويت أسفل الصفحة ) .

الاثنين، سبتمبر ٠١، ٢٠٠٨

رمضان كريم







تعلن المدونة عن توقفها في شهر رمضان الكريم، وكل عام وأنتم بخير

السبت، أغسطس ٣٠، ٢٠٠٨

يوميات باحث عبيط - الرابعة







بعد أن صنعت ببليوجرافيا محكمة لموضوع الخطة، كان لا بد لي من الاطلاع على رسالة علمية لها صله بموضوعي.هذه الرسالة موجودة بالمكتبة المركزية بجامعة الأزهر الشريف الجليل الكريم العليم الرحيم رضي الله عنه وأرضانا به. قلل البعض من أهمية الرسالة الأزهرية وقال: أزهر إيه وبتاع إيه . وقال رجل من أهل المدينة: إنا غير ملزمين بالفحص والتنقير في الأزهر؛ لأن رسائلهم الموضوعة في مجال تخصصنا طبيخ؛ ولأنهم يكررون الموضوعات ويجترونها اجترارا كأنما يبصق بعضهم في فم بعض دون حياء أو خجل. وأضاف أن هناك سرقات وتلفيقات كثيرة عندهم. وقال الذي عنده علم من الكتاب: إياك والذهاب إياك والذهاب. لكنني ضربت بكلامهم الجائر عرض الحائط، وتوكلت على الله غير آبه لما قالوا : قلت لعله الحقد والحسد، وإن المعاصرة كما يقولون حجاب، وأنا مؤمن أن الغث أكثر من السمين في كل مكان في الأزهر أو غيره.

في الصباح الباكر، صعدت الأتوبيس المتميز- لعلها من قولهم: فلان يتميز من الغيظ - المتجه إلى مقر تلك الجامعة من رمسيس، ولكن ما إن خطا الأتوبيس خطوتين،وتقدم مترين، حتى تكدس في لمح البصر وامتلأ عن آخر آخره بقطعان البشر. وكأنا في يوم الحشر، فتصبب العرق مني بشدة، وانكتمت أنفاسي وانضعط بطني، والتوى رأسي، واندلقت أطراف القميص خارج السروال، وانحل رباط الحذاء، وابتل الجورب، وبلغ السيل الزبى. فسببت نفسي سبا شنيعا بشيعا على قلة خبرتي، ولعنتها على سوء تقديرها للأمور، وعلى سوء حظها.

دخلت الجامعة واستبشرت خيرا، فلا مخبرين على البوابة ولا أعين ولا بصاصين... المكتبة المركزية ذات هيئة جيدة،ونظيفة، مما يدل على أنه قد أنُفق فيها الشيء الفلاني. صعدت إلى الدور الثالث حيث قاعة الاطلاع على الرسائل، استقبلني، شاب، وطلب مني إبراز الهوية، ووقعت في الدفتر، ثم استفسر عما أريده، وجلس إلى الحاسب ليبحث عن الرسالة المطلوبة، وقد توصل إليها ولله الحمد بعد ثلاثين دقيقة تقريبا؛ فقد كان غشيما جدا لا يفقه ألف باء حاسب، وفي الوقت نفسه ممنوع منعا باتا لمس الجهاز المقدس من قبل الغرباء والدخلاء والمتطفلين وابن السبيل. ولكني اضطررت إلى إرشاده مشافهة حتى تمت المهمة بنجاح . ثم أرشدني – حفظه الله- إلى الأرفف التي يمكن أن أجد عليها الرسالة، وتركني وحيدًا شريدا أبحث بنفسي، وظللت عشرين دقيقة أبحث وأنقر وأدقق وأحقق ولكن بلا طائل فأخبرته بذلك، فظل يتقافز هاهنا وهاهنا وجاب الآفاق حتى عثر عليها في مكان آخر. شكرته وأخذت الرسالة ممتنا.

توجهت بالرسالة إلى المكان المخصص لاطلاع الباحثين، فجبذني من ذراعي قائلاً: إلى أين؟ ... لا تجلس هناك. قلت : لمه ؟ قال: أنت لم تدفع بعد ؟ قلت : ماذا؟ قال: رسم الاشتراك عشرون جنيها. قلت: لكني أريد الاطلاع على محتوى الرسالة فقط. قال: إذن اجلس هنا أمامي. شكرته وجلست أتصفح الرسالة وأنا أزدرد لعابي بصعوبة، أخرجت قلمي وأوراقي لأدون بضع ملاحظات، فهب من مجلسه مشيرا بكفه نحوي أن لا!! قلت : لمه؟ قال: ممنوع أنت لم تدفع بعد . فنحيت القلم والأوراق جانبا ودمي الضحل قد بدأ يغلي في عروقي المهترئة الضعيفة. وبعد عشر دقائق، هب الشاب من مقعده كمن عقره كلب، وصفق لي بقوة قائلاً: لقد انتهى وقتك ياأستاذ !!!. فانطلقت رغما عني ضحكة لا أدري ما سمكها، وقلت متفكها: أهي (بسكلتة) ياسيدي استأجرتها منك بضمان الشبشب، ثم بعد أن انتهى الوقت تصفر لي وتصفق لأعود!!!!. ما هذا يا أستاذ ؟ أمن أجل أن أطلع على رسالة لا بد أن أدفع إتاوة في كل مكتبة أدخلها؟ أمن أجل ذلك تهان كرامتي؟ لم كل هذا العنت والتكلف والتضييق؟ هل هذا هو التشجيع المزعوم للبحث العلمي؟ هل تحوي الرسائل أسرارا عسكرية لا يجوز الاقتراب منها ؟ أيحدث هذا في الأزهر الشريف الذي يفترض فيه أنه يبذل العلم للناس ويشدهم إليه، وذكرته بحديث النبي صلى الله عليه وسلم :من كتم علما مما ينفع الله الناس به ألجمه الله بلجام من النار. فيبدو أن المسكين لم يفقه قولي، فهو موظف مسكين ينفذ التعليمات فقط، وقد أشار- حفظه الله- إلى قرار مصلوب على الحائط ممهور بأختام شريفة وإمضاءات جليلة. ولما هدأت ثائرتي سألته هل يوجد تصوير؟ قال: لا التصوير هنا ممنوع منعا باتا، وأشار إلى قرار شريف آخر مصلوب بجوار أخيه السابق يؤكد صدق قوله. فقلت له: هل تسمح لي أن أنقل فقط فهرس موضوعات الرسالة؟ فنظر- حفظه الله- إلى السقف وحملق فيه قليلا ثم قال لي مترددا : تفضل . فنقلته سريعا. وحمدت الله أن الرسالة عادية جدا شأن رسائلنا العلمية الرائعة في هذا الزمان المبارك، وخرجت من جامعة الأزهر الشريف رضي الله عنه وأرضانا به وبأهله، وعبارة ( إياك والذهاب إياك والذهاب ) تطن في أذني طنا .

الخميس، أغسطس ٢٨، ٢٠٠٨

يوميــات باحث عبيـــط - الثالثة




انطلقت وكلي شوق إلى مكتبة الإسكندرية الجميلة الرائعة، وأنا في الحقيقة مغرم بهذه المكتبة ومعجب بالفكرالذي يديرها أشد الإعجاب: فكلها سعة ونظافة وجمال ودقة وانضباط وتعاون وهدوء... بل إن العاملين فيها والعاملات والموظفين والموظفات على قدرعال من الجمال واللباقة والثقافة والأدب، تبدو على وجوههم النضارة والترف والشبع، وهذا والله ما قد لاحظته على العمال الذين يعملون بدورات المياه هناك التي لا أحرم نفسي من دخولها كلما ذهبت، لاستمتع بنظافتها وبريقها اللامع، ولم أشك ألبتة في أن هؤلاء العمال متعلمون وحاصلون على مؤهلات عالية، ومن هنا كان من الطبيعي ألا تسمع عن سرقات للكتب القيمة أوالمخطوطات النادرة وبيعها لتجار الروبابيكيا وباعة الكتب بثمن بخس دراهم معدودة كما يحدث في مكتباتنا العريقة؛ لذا كنت أرى أن القاهرة أولى بهذه المكتبة من الإسكندرية،وليس ذلك جشعا أو حسدا أو تعصبا مني ؛وإنما ذلك لأن الباحثين بها أكثر عددا، فضلا عن أن القاهرة بها أكبر عدد من الجامعات كما هو معروف؛ لكن صديقي الإسكندراني أقنعني بقوة منطقه وشراسة أدلته اللاذعة بأن مكان المكتبة هنا أفضل وأشرف وآمن؛ لأنها لو أنشئت في القاهرة وأديرت بالفكر المكتباتي القاهري البالي لتحولت – واللفظ له- إلى مشخخة أو مخرأة على الطريق العام !! .

دلفت إلى المكتبة ورحت أبحث عن بعض الكتب التي أحتاجها بشدة في بحثي؛ لأصور بعض فصولها، فوجدت معظم الكتب غير موجودة على الأرفف، وذلك ليس لأنها سرقت أو نهبت – كلا وحاشا- ولكن لأنهم يصورونها فيما يعرف بالتصوير الديجيتال، من أجل رفعها على المكتبة الرقمية، وما يتم سحبه من الكتب إلى هناك لا يعود إلى مكانه على الأرفف إلا بعد حين، ومشروع المكتبة الرقمية – والحق يقال- مشروع عظيم ومفيد وهو مما يحسب لهذه المكتبة الرائعة، وهذا في الحقيقة ما هوَّن علي الغصَّة التي وجدتها في حلقي. وقد عثرت على كتيبين صغيرين أردت تصويرهما، ولمن لا يعرف: لا يتم هناك تصوير الكتاب كاملا بحجة الحفاظ على حقوق المؤلفين- وهذه عدوى أصيبت بها المكتبة من دار الكتب المصرية وسائر المكتبات الكلاسيكية- ولكن من رحمة الله أن مكتبة الإسكندرية بها طابقان للتصوير، فما عليك إلا أن تصور جزءا هنا وجزءا هناك ليجتمع لك تصوير الكتاب كله، والموظفون هناك يعلمون بذلك بل يرشدون الباحثين إلى هذه الطريقة الالتفافية الدورانية، لأن القانون الذي فرض ذلك قانون غبي غشيم عبيط بشهادة الكافة، وقد قام صديقي بتصوير جزأين من الكتاب وبقي جزء ثالث، فأخذتُ الكتاب لأصورالباقي بدلا منه حتى لا يفطن الموظفون إلى أن هذا الكتاب صُوِّرعندهم من قبل، ولكني فطنت من الوهلة الأولى إلى أن هذا الكتاب لن يصور؛ لأن الموظفين الذين رأيتهم هذه المرة مختلفون عمن كنت أراهم في كل مرة،إذ يبدو عليهم أثر الجوع والكدح وشيْ من الفاقة وأشياء أخرى، أخذوا الكتاب وجلست طويلا في انتظاره، ولما ذهبت للاستفسار عنه قالوا لي : لن نصور هذا الكتاب. قلت : لمه؟ قالوا : لأنه صُور من قبل !! قلت: من أين علمتم؟ .. والله ما جئتكم به من قبل ولا صورت بنفسي شيئا منه – وأنا صادق والله كما تعلمون- . فقالوا: لقد جاء الكتاب هنا من قبل . قلت لهم : جاء جاء.. وما ذنبي أنا ؟ إن كان غيري صوره، فما المشكلة في أن أصوره أنا أيضا ؟. هل هناك قانون في المكتبة يقضي بأن الكتاب يُصور مرة واحدة فقط لزبون واحد فقط في اليوم؟ ، فقالوا كذبا وافتراء: نعم، ولما أخبرتهم أني باحث معيد لا غرض لي في تصوير الكتاب إلا خدمة بحثي، وأني قد أتيت من القاهرة خصيصا من أجل هذا الكتاب، فكيف أعود بلا شيء؟ فقالوا: اذهب وصوره في الطابق الأعلى. قلت إذن أنتم مقرون بعدم جدوى هذا القانون، وتلتفون حوله فلم لا تصورون لي وتكسبون ثوابا عظيما؟ لكنْ أخبرُونِي أليس من الممكن أن أصور نصف الكتاب اليوم بهذه الطريقة؟ قالوا: بلى قلت : أيمكنني أن آتي غدا وأصور باقيه قالوا : نعم. قلت أليس هذا ما يفعله جميع الباحثين؟ قالوا: بلى قلت : إذن كيف سيحمي هذا القانون الأخرق الأحمق الأرعن الأهبل الأهطل حقوق المؤلفين المزعومة؟ ألسنا نخادع أنفسنا ونهدر أوقاتنا وندور في حلقة مفرغة؟.. ولم أنتظر جوابهم وانصرفت غاضبا، ولكن صديقي الهمام برطم ببضع كلمات وقال لي: أنت عبيط جدا.. قلت : لمه ؟ قال : كان يمكنك أن تصر على التصوير ولو أصروا تطلب منهم مقابلة مدير المكتبة- وهذا يرعبهم- وتقول له: إنهم يمتنعون عن التصوير لي وأنا قادم من القاهرة،وذلك بحجة أني صورت هذا الكتاب من قبل، وأنا لم أصوره وليأتوا بدليلهم على ما قالوا إن كانوا صادقين. قلت: يا لها من فكرة خبيثة مارقة، سأفعلها في المرة القادمة إن شاء الله !!!

وفي آخر النهار قررت العودة إلى القاهرة بمحصولي الضئيل من المكتبتين، وأصررت على ألا أركب الميكروباصات اللعينة، ولجأت إلى الأتوبيس المكيف، فإن الأتوبيس كما زعم غير واحد أكثر راحة، وأقل تكلفة –إذ سيوفر لي من ثلاثة جنيهات إلى خمس- ووقفت على شباك التذاكر نصف ساعة أنا وصديقي لنحجز، وكان دون الحجز ضرب النعال والقباقيب، وقد اشتبك صديقي فجأة مع رجل ثرثارأرعن أراد أن يزيحه بالقوة عن الشباك، وقد تم الحجز بحمد الله وصعدت إلى الأتوبيس المكيف مودعا صديقي، وانطلق الأتوبيس بي، وبعد عشر دقائق من سيره توقف تكييفه تماما، وليس هناك منفذ للهواء فهبط السائق ومعاونه وفتحوا الباب الخلفي ليُدخل لنا الهواء، فقامت انتفاضة كبيرة بالأتوبيس، وانطلقت ألفاظ نابية أخذت بتلابيب السائق وامتدت أكف، وأرجل، وسمعنا شخرا وبصقا وضراطا . وقال الركاب له: عد بنا إلى المحطة فورا، فقال مهدئا لهم : هذا لا يصح يا جماعة ستتأخرون كثيرا، كما أن هذه التذكرة لا ترد، ووعدهم بأنه سيتوقف في جراج كفر الدوار ليصلح التكييف، وتوقف الأتوبيس هناك حوالي ثلاثة أرباع الساعة، وتم إصلاحه في دقيقتين، ثم انطلقنا ووصلنا بحمد الله إلى القاهرة بعد أربع ساعات ونصف من انطلاقنا. يتبع.

الأربعاء، أغسطس ٢٧، ٢٠٠٨

يوميــات باحث عبيـــط - الثانية




وعند بوابة كلية الآداب، رغم أنه لا توجد مناسبة معينة أو اضطرابات ما؛ فقد واجهني عدد لا قبل لي به من المخبرين والعسكريين والبصاصين والخباصين، ، طلب أحدهم إبراز البطاقة الشخصية وظل يحملق فيها ويقلبها ذات اليمين وذات الشمال،ومال آخر إلى أذني متسائلا في خبث: لماذا أتيت من القاهرة إلى الإسكندرية؟ وجذب ثالث حقيبة يدي ودفن رأسه فيها، ثم طلب مني أن أتركها هنا وعندما أنهي مهمتي بسلام أتسلمها، وكاد رابع غشيم أن يفعل شيئا ما لكن شخصا آخر- يبدو من حجم رأسه أنه زعيمه- زجره ونهاه بعينه؛ لأن إجراء التفتيش الذاتي لا يكون في مثل هذه الأماكن العامة المفتوحة – والله أعلم- ... المهم أني عبرت البوابة بسلام، فحمدت الله على النجاة، وقد ألهمني الله بعض الأدعية التي تقال عند اشتداد الأمور، وطلب دفع الشر وقضاء الحاجة، ثم دخلت المكتبة، ولم يستقبلني أحد فثمة ثلاث سيدات نائمات على الموائد وعلى مبعدة منهن رأيت أكواما كبيرة من الكتب على هيئة الهرم ممزقة ومشوهة، وتنبعث منها روائح تذكربصناديق القمامة، والمكان غير مهندم ولا مرتب على الإطلاق. ظل النسوة النائمات يتحادثن ويثرثرن بصوت مرتفع، ولم ينتبهن لوجودي،إلا عندما تنحنحت، وفجأة مثل أمامي موظف لا أدري من أين نبت، قال: خير؟ قلت: أريد أن أطلع على رسالة ماجستير و مقالة بمجلة كذا وذكرت بياناتهما قال: لا بد من أن تدفع عشرة جنيهات أولاً قبل الاطلاع؛ حيث إن هناك لوائح جديدة اخُترعت في هذه الأيام المباركة السوداء تلزم كل باحث أن يدفع هذه الإتاوة قبل الاطلاع، قلت لعل ما سأطلع عليه يكون بلا قيمة أو لا يفيدني. قال: لا بد من الدفع. فدفعت بالتي هي أحسن عشرة الجنيهات المطلوبة، وانتظرت أن يأتيني أحد بطلبتي، فجاءتني امرأة أحسبها موظفة- وما أكثر الموظفين والموظفات في هذا المكان- وسرت خلفها حتى أوصلتني إلى المخزن وهو في البدروم، وقالت: ابحث هنا وعندما تعثر على بغيتك أخبرني. وتركتني وحيدا وانصرفت لتكمل نومها. وكان المخزن قبيحا دميما غير منسق والكتب تفوح منها رائحة كريهة ورطوبة وعطونة لا مثيل لها إلا في المقابر، إذ لا توجد منافذ أو تهوية أو شيء من هذا القبيل، وظللت أبحث وأنقر حتى أدركني اليأس؛ فالمجلات على كثرة أعدادها غير منسقة ولا مرتبة، والأعداد مبعثرة في كل مكان - يبدو أن المكتبة لم تسمع بعد باختراع الفهرسة أو الحوسبة - ولكني وضعت يدي على عدد فإذا به هو، وخرجت بعد قرابة نصف الساعة منهك القوى ومبلل الثياب - من شدة العرق- سعيدا لحصولي على مرادي بعد كد وعناء. وصعدت بنفسي إلى الدور الثالث لادفع الإتاوة- قيل إن هذه الإتاوة تُجمع من أجل تحسين الخدمات في المكتبات هكذا أرجف غير مرجف في الجامعة- ودخلت متعجلا حماما في آخر الطرقة، وكأني أسمع جلبة في الخارج فقلت أقضي حاجتي أولاً، ولكني فوجئت أن المياه منقطعة فخرجت على الفور فوجدت امرأة منفعلة تصيح وتضرب كفا بكف، وتخبرني أن هذا حمام خاص بالسيدات لا يصح لي دخوله، فاعتذرت لها بشدة وحمدت الله أني لم اقض حاجتي ولكني نظرت إلى باب الحمام لأتحقق كيف أنه فاتني النظر إلى اللافتة، الغريب أنني لم اجد لافتة أو إشارة أو تنبيها أو ورقة مختومة بشعار النسر الشريف تقول إن هذا الحمام خاص بالسيدات!!. هبطت مرة أخرى إلى الدور الأول وطلبت تصوير المقالة التي صُورت بعد ساعة من الزمن أو يزيد رغم عدم وجود زبائن، وذلك بثلاثة جنيهات فقط لا غير، وأما الرسالة فقد اطلعت عليها فوجدتها لا تسمن ولا تغني من جوع كالعهد برسائلنا العلمية في هذا الزمان الذي تلفق فيه الرسائل تلفيقا، وحمدت الله على ذلك؛ لأن الموظف – لا فض فوه- أنبأني أن تصوير الرسائل هنا ممنوع منعا باتا، لكن صديقا خبيثا نجسا يشهد له الكثيرون بالكفاءة العلمية قال لي - فيما بعد-: إنني عبيط لأنني لو أبرزت لأنجزت وقضيت حاجتي بخمسة جنيهات فقط، وقد جلست قليلا لأتصفح المقالة الجليلة التي شددت إليها الرحال، ودفعت من أجلها وحدها- 13 جنيها- هذا غير أجرة مواصلات الذهاب والإياب التي تعرفونها- فوجدتها غير ذات قيمة، والكلام فيها مجرد تحصيل حاصل كما يقولون، وخرجت من المكتبة سعيدا مسرورا ميمما وجهي شطر مكتبة الإسكندرية حفظها الله .

الثلاثاء، أغسطس ٢٦، ٢٠٠٨

يوميــات باحـث عبيـــط - الأولى





ضبطت المنبه الأرعن بعد أن ركلته ركلتين، ولكمته لكمتين، كي أستيقظ بعد ساعة ونصف، وبالفعل استيقظت وصليت الفجر وأنا شبه نائم ، حتى إني في دعاء الاستفتاح ضبطت نفسي متلبسا وأنا أقول : ( اللهم بك وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت روحي فارحمها وإن أرسلتها....) وهنا انتبهت وتذكرت أني في الصلاة ولست في الفراش فكبَّرت من جديد، وبعد الصلاة غسلت عيني المنتفختين المتوهجتين بماء مثلج جدا لعلي أفيق، جهزت حقيبتي العتيقة وذهبت إلى محطة رمسيس، انتظرت أحد الميكروباصات الذاهبة إلى الإسكندرية من الطريق الصحراوي، وكان نصحني صديق أن أركب الأتوبيس أو القطار فهما أفضل وأرخص، قلت له : إني أفضل السفر السريع حتى أستطيع أن الإفادة من يومي خاصة أني أعود في اليوم نفسه، ثم إن الأتوبيس غير آمن فقد احترق منذ يومين الأتوبيس الذي كان يستقله صديقي سالف الذكر واشتعلت النار في مؤخرته، وراح يطفئ النار مع المطفئين من ماء الترعة المجاورة،فكانت النار تزيد اشتعالا. وأما القطار فحدث عن حرائقه ولا حرج ،وأما الموت على الطريق الصحراوي فهو موت آمن ومريح، ركبت السيارة وتأكدت من السائق أن الأجرة عشرون جنيها فقط، ركبتها وليتني ما ركبت، فالسيارة ضيقة وغير مريحة ولا مكيفة، والسائق صاحب مزاج وسخ بدأ يومه بالاستماع إلى أغان هي أشبه بعواء الذئاب أو اصطراخ الخرس لا أدري بالتحديد، والعجيب أن السماعات في سيارته كانت تفوق – والله العظيم – قوة أقوى (دي جي) على ظهر الأرض، وكادت تصم الآذان، ولم يفهم احد كلمة مما يقال في الأغاني، وكان السائق مع ذلك يهز رقبته الغليظة في بلاهة ونشوة، والناس قد أصابهم دوار شديد، وبلغ بهم الكرب والغيظ مبلغا عظيما، ولم يجرؤ أحد أن يحادثه بشأن الصوت، وقد تألمت ركبتاي وتورمت أصابع القدم وأكل وجهي الذباب، وآلمتني البواسير، فلعنت في سري السائق ومن علمه قيادة السيارات، ثم انفجرت فيه بعد ساعة وقلت له: أغلق هذا الزفت وارحمنا أرجوك، فنظر إلي شزرا، وراح يهز رقبته الغليظة، وخفَّض من الصوت قليلا ثم أعاده بعد قليل ولا حياة لمن تنادي، ولما ولجنا مدخل الإسكندرية طلب السائق الأرعن منا جمع الأجرة وهي اثنان وعشرون جنيها لا تنقص تعريفة، ولما اعترض البعض عليه أقسم بتربة أمه أنه قال قبل الطلوع إنها اثنان وعشرون وكل عام وأنتم بخير، دفعت المبلغ المطلوب على مضض وأنا ألعنه في سري وألعن من رفع أسعار الوقود لعنا كبيرا. نزلت تحملني قدماي بصعوبة بالغة وسرت بخطو متعرج نحو مكتبة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية العريقة . يتبع



فزورة

معيد كحيان. عزب غلبان. مرتبه 700 جنيه. يركب مواصلات بـ 150 ويشتري كل شهر كتبا ويصور أوراقابـ150 وأحيانا يقتله الجوع - وهو المتقشف- فيأكل في الشارع وجبة كشري أو ساندوتش فول بالمازوت بـ50 جنيها في الشهر،ويشحن الموبايل ويدفع فاتورة النت بـ 120 شهريا ويقطن في شقة مشتركة يقع عليه من إيجارها 100جنيه، ويأكل ويشرب في الشهر بـ 150 جنيها، وهذا المعيد الخبيث اللئيم الرجيم الــ... يفكر في الزواج والارتباط خاصة أن سنه قد كبرت واشتعل الرأس منه شيبا!!!! كم ينفق هذا المعيد- بصرف النظر عما ينفقه في شراء الملابس التي قيل إنها يجب أن تكون حسنة- ؟ وكم يتبقى من راتبه؟ وكم يحتاج هذا الــ... لكي يتزوج ؟

بسم الله


هذه مدونة جديــده. كاتبها على الحديــده. يبث فيها همومــه. لئلا يشق هدومــه.

يقرأها كل كحيــان. يعاني رداءة الزمــان. ومن لا يروم التعليــق فعليه بالتلفيــق .
والله الموفق