الجمعة، نوفمبر ٢٧، ٢٠٠٩

دون كيشوت.. ومعركة الكرامة المستديرة

لا يحسبن القارئ أن هذا العنوان ذو قيمة أو فائدة .. فقد وضعته خبط عشواء، حتى يلائم ما نعيشه من عشوائية وعبثية وأنانية وعصبية واستعباط وجهل وسفاهة .. وأرجو ألا يطمع القارئ في أن يجد تحت هذا العنوان موضوعا أو كلاما ذا قيمة فليس في الرأس فكرة ولا في المخيلة موضوع.. فلا ينتظر قارئ أن أقص عليه شيئا عن المعتوه دون كيشوت ذلك الفارس الموهوم الذي كان يحارب طواحين الهواء والنعاج والدمى بسلاحه المتآكل ودابته العجفاء ظنا منه أنه سيقيم العدل في ربوع الدنيا . ولا ينتظر قارئ أن أحدثه عن معارك انتخابية أو معارك حربية تسترد فيها الكرامة أو أن أسرد له التداعيات التي تجلبها كلمة (الكرامة) فأحدثه مثلا عن احترام أعراض المواطنين الكرماء أو عن شهيدة الحجاب التي ذهب دمها هدرا أو المواطنين الذين تنتهك كرامتهم في السعودية والكويت ولبيا بلا حساب، أو عن الجنود الذين يحرسون الحدود ويقتلون بدم بارد على يد أعداء نحابيهم بلا سبب أو عن الحق السليب في حرية التعبير.. إلخ فهذا الحديث لا يعنيني من قريب أو بعيد ... إذن تبقى ( المستديرة) لا أدري ما الذي حشر هذه الكلمة في العنوان .. لعلها أصداء دماغية باهتة .. لعلها طبقات رسوبية تراكمت في العقل الباطن .. كنت أود هنا أن ألخص قصة قصيرة للقاص المبدع – محمد حافظ رجب – عنوانها ( الكرة ورأس الرجل) لكنَّ سيرياليتها ورمزيتها حالت دون ذلك ، ولم تبق إلا قصة قصيرة للمبدع صلاح عبد السيد سأتلاعب في محتواها بالتلخيص والتعليق على بعض أفكارها بلون مختلف، وأرجو أن يعفو عني الكاتب على فتكي بقصته وإليكم القصة .

الرجل البيه .. قصة صلاح عبد السيد

الرجل البيه يرش الكلمات .. ( انتخبوني يا سادة.. سأزرع الأرض البور، سأفرش تحت رموشكم النور، سأسكنكم جنات الحور.. سـ ..سـ..سـ..) تنفتح الأعين والأفواه، وتدور الألسن في سقف الحلق .

تعليق : الرجل البيه نوع من الأعشاب البرية تفيد في تسكين وجع الدماغ وإزالة الكالو والزائدة الدودية، والمصران الغليظ كما تفيد في الإخراج بلا ألم .

مد أبو السعد رقبته واستطال بها حتى وصل إلى فم الرجل البيه – الواقف على كرسي – فقبع برقبته تحته يتلقف كلماته ( سـ..سـ..سـ..) دعك أبو السعد عينه الوحيدة وأخذ ينظر : سـ.. كان الرجل البيه سمينا،سـ .. متورد الخدين ..سـ ..أبيض الأسنان ..سـ.. غليظ الرقبة يلبس بدلة بيضاء .. ينتعل حذاء .. حذاء سـ ..وتوقف عليه بعينه ..

تعليق : بياض أسنان البيه يرجع إلى استعماله معجون سيجنال2 وأما بياض ثيابه فيرجع إما إلى شفافية الرجل وأعماله البيضاء وإما إلى ضبابية الرؤية عند أبي السعد ذي العين الواحدة.

انشغل بحذاء الرجل اللامع .. كان حذاء الرجل البيه يلمع كالمرآة .. حرك أبو السعد رأسه فرأى صورته تتحرك على الحذاء يتحرك تتحرك.. مد يده يلامس في حذر النقوش البارزة على كعب الحذاء ...سأل من بجواره : - البيه ده بيشتغل إيه ؟
- بيشتغل بيه كبير قوي في مصر !!.. - يعني إيه ؟
- راجل مقتدر ومتصل. - يعني إيه ؟
- راجل بيلعب بالفلوس لعب
تعليق : واضح أن أبا السعد قليل الذكاء عديم الفهم ميت البديهة لكثرة أكله الفول ومشاركته البهائم في حشائشها وتبنها وأعلافها .

كانت برطوشة أبو السعد المهترئة تنفرش تحت قدميه وكان جلبابه الرث قد تمزق وأبان عظام كتفيه وكانت بطنه المنتفخة كقربة ماء بفعل الاستسقاء تكاد تنام على فخذيه ولم يكن يلبس سروالا ..!!

تعليق : رثاثة أبي السعد الواضحة ليست عن فقر – حاشاه – وإنما ذلك من بساطة أهل الريف المعروفة وتواضعهم الجم، وأما بروز عظامه فذلك لزهده في الدنيا وعزوفه عن نعيمها ، وأما الاستسقاء فيعود إلى عادات أهل القرى الذميمة في النظافة والعك وحب السباحة في الترع والمستنقعات .. وأما عدم ارتداء السروال فحتى يسهل له قضاء حاجته سريعا في الترع أو على جدران البيوت .

علم أبو سعد من جاره أن البيه سيفرق فلوسا.. انتهى البيه ودوى التصفيق حارا ودارت هتافات التأييد انصرف بعربته ولكنه مضى ولم يوزع فلوسا ... مضى ولم يوزع فلوسا . انصرف الخلق .. ولم يبق واقفا غير أبو السعد وحده .. فاتحا فمه مسددا عينه الواحدة إلى اللافتة المعلقة ( انتخبوا سيد الحنش نصير الفقراء والمظلومين ) أحس أبو السعد بألم في بطنه المنتفخة وسع ما بين ساقيه ورفع جلبابه ونظر إلى اللافتة وبال بولا أحمر داميا ..وانسال البول على التراب يتعرج ..يتعرج .. ويتشابك ، يتشابك ويتقابل ..يتكون حروف لكلمات .. كلمات لا يفهمها أحد !!.
تعليق : هذه سقطة شنيعة وقع فيها القاص لأن أمثال أبي السعد لا يقرأون ولا يفهمون معنى النصرة أصلا ولا يعرفون معنى الحقوق. والبول الأحمر مبالغة فجة من القاص لعله يرمز به إلى الثورة البلشفية أو يستدعي به قصة ذات الرداء الأحمر ويمكن تفسير ذلك بأن أبا السعد أكل بنجرا كثيرا قبل بولته تلك . واما عن الحروف الهيروغليفية التي كونتها قطرات بول أبي السعد فلا علم لنا بها فهي تحتاج في حلها إلى من لهم نظر في النجوم وعلم بالسحر والعيافة وقراءة الطوالع ولعل الزمان يجود علينا بأمثال شامبليون فيفك لنا طلاسم البولة السعدية .


عاد أبو السعد بزجاجة المزيج عديمة الفائدة من الوحدة الصحية متبرما بها أحس بدوخة احتضن جذع شجرة وجد لافتة عليها تعبث بها الريح( انتخبوا سيد الحنش نصير الفقراء والمظلومين ) نظر إلى اللافتة كثيرا وانسالت زجاجة المزيج على التراب
**********

صرخ مأمور المركز : من حرضك على سرقة اللافتة من ؟ من حرضك؟ تكلم..
وبعد سؤال وجواب وضرب وإهانة . صاح صوت سيد بيه الحنش :
- دا تخريب .. دا ضد الديمقراطية .. دا ضد الحرية .. دا ضد الوحدة ..ضد الوحدة
ولما لم ينطق أبو السعد أشار المأمور فانسحب أبو السعد مجرورا من تحت إبطيه إلى الداخل ...آه .. آه .. آه
- حطوه على الفلقة .. من ؟ من ؟ من ؟
انسحب أبو السعد في التو مجرورا من قدميه مرفوعا إلى أعلى فانشلح جلبابه وبان سرواله .. وعلى السروال كانت تلك الكلمات التي تلتف ( انتخبوا سيد الحنش) ( انتخبوا سيد الحنش نصير الفقراء والمظلومين ) وهوت العصي على بطنه وسرواله .

تعليق : اتضح أن أبا السعد عميل كبير للإمبريالية والاتحاد السوفيتي الساقط وأنه يعمل بمبدأ سعيد مهران في (اللص والكلاب) الذي كان يستبيح سرقة الأغنياء. وصمود أبي السعد يدل على أنه تدرب على قوة التحمل ومواجهة التعذيب في معسكرات خاصة ولكن الجريمة لا تفيد فقد افتضح سره وانكشف أمره لغبائه المفرط حيث إنه لم يفكر في إزالة الكتابة من السروال بالكلور أو بأي مزيل آخر وهذا هو الخيط الدقيق الذي قاد جهابذة الشرطة إلى معرفة الحقيقة وتقديم المجرم إلى حبل المشنقة .

الجزائر ومصر ... أحباء ولو كره المتعصبون

كل عام وشعب مصر الحبيب الشريف بخير ... كل عام وبلد المليون شهيد في أتم صحة وسعادة


هنيئا لمسلمي البلدين العريقين .... هنيئا للعقلاء والرجال وأصحاب المروءة والرزانة


وأما القلة القليلة المتعصبة في الشعبين وأما أصحاب النيات السيئة والأغراض الخبيثة والجهلاء والمريضة نفوسهم


فموتوا بغظيكم





عيد سعيد

الثلاثاء، سبتمبر ٢٢، ٢٠٠٩

أطفالنا .. وسارق البصل

بداية لا أدري ما الذي دفعني إلى الكتابة في هذا ( اللاموضوع).. فهو يلح علي دماغي الموجوع بشدة من زمن؛ لعل الذي دفعني إلى ذلك هو النظر في مناهج التعليم الأساسي وما يجري فيها من تطوير مريب، ولعل ما جعل الأمر يطفو ويلح عليَّ أكثر سعي وزارة التربية مؤخرا إلى صناعة الكتاب المدرسي من ألفه إلى يائه في بعض الدول الغربية. لعله أيضا النظر المريب – وأنا من أنصار نظرية المؤامرة- في محتوى بعض الأفلام الكارتونية وغير الكارتونية المقدمة لأطفالنا التي تبدو بريئة تهدف إلى الرفاهة والتسلية. وكذلك محتوى بعض سلاسل القصص والكتب الجميلة الرائعة التي أهديت في السنوات الأخيرة لأطفالنا خصيصا بعد 11 سبتمبر من أمريكا، كل تلك التعليلات في الحقيقة شغلت رأسي ودوختني وجعلتني مشتتا مبلبلا؛ لكن الطريف أن ثمة قصة أطفال كنت قرأتها وأنا صغير -رغم نسياني لمئات القصص التي قرأتها- ظهرت على السطح فجأة تراودني كثيرا هذه الأيام ولا تفارق مخيلتي أتذكرها وأتأملها وأنقد محتواها في نفسي. كان عنوانها (( سارق البصل)) .


والقصة بحسب ما أتذكره منها تدور حول رجل ريفي تحين وقت القيلولة في الصيف القائظ والناس مختفين في بيوتهم كي يلج أحد الحقول، ويسرق منه ثلاثين حزمة من البصل الأخضر. وبينما هو يهرب بها إذ رآه رجل مار من أصحاب الحقل فجرى وراءه وصاح صيحات متوالية حتى ينتبه الناس له ويعاونوه في القبض على ذلك اللص، واستطاع الناس اللحاق به والقبض عليه وتسليمه إلى عمدة القرية ليرى فيه رأيه ويحكم عليه حكما يناسب فعلته الشنعاء، واحتشد أهل القرية جميعا أمام دار العمدة واللص مقيد ينتظر أن ينطق العمدة بالحكم عليه، فما كان من العمدة إلا أن خير اللص بين ثلاثة أنواع من العقاب: إما أن يسجن ثلاثة أشهر – على ما أتذكر- وإما أن يجلد عددا كبيرا من الجلد لا أتذكره، وإما أن يأكل في الحال كل البصل الذي سرقه، فارتضى اللص أكل البصل فشرع فيه ولأن البصل كان حارا لم يستطع أن يتم أكل ثلاث بصلات فقد اغرورقت عيناه بالدموع وسال أنفه وأصابه السعال، ورأى أن يترك هذا الخيار إلى خيار الجلد فهو أهون وأيسر، وشرع العمدة في جلده وعند الجلدة العشرين لم يقو اللص على تحمل الآلام وطلب من العمدة أن يعاقبه بالحبس، وبالفعل حبسه العمدة فاستحق اللص الأنواع الثلاثة من العقاب جراء جشعه وطمعه وهنا تنتهي القصة الطريفة التي راقتني صغيرًا وأزعجتني كبيرا فهل يدري أحد من القراء لم تلح علي هذه القصة بشدة الآن ؟ وما العيب في القصة ؟ ألا تحمل مضامين تربوية جيدة تكشف عن أن السرقة ذميمة وأن العقاب بالمرصاد وأن الجشع يجلب على الإنسان البلاء كله أليس كذلك ؟ .

السبت، سبتمبر ١٩، ٢٠٠٩

الثلاثاء، يوليو ١٤، ٢٠٠٩

خرافات خيالية من كوكب ك

الخرافة الثالثة: المواطن م

فتح المواطن (م) عينيه وهو راقد في سريره ليجد أمامه ثلاثة بصاصين في هيئة مدربي كمال الأجسام ينتظرونه حتى يستيقظ من نومه، ولما استيقظ أمروه بطريقة مهذبة أن يتجرد من ملابسه تمامًا، وأن يعصب عينيه بسرواله إن كان خاليًا من الثقوب؛ ليذهب معهم إلى هناك حتى يجروا معه تحقيقًا قصيرًا، وبعد دقائق مثل أمام المحقق .
- ما اسمك ؟
= م .
- وظيفتك؟
= .... ؟!!
- حالتك الاجتماعية؟
= عزب .
- ما عدد أبنائك ؟ .
= ........ ؟!!
- انطق يابن القـ...
= ..... ؟ !!
صفعه عسكري دميم - إثر إشارة من المحقق - على قفاه سبع صفعات صارمات قائلاً له: رد على البيك يا وسخ .

- أين أخوك الهارب ن ؟
= أنا وحيد أبوي ؟ .
-أانت م بن س بن ع ؟
= نعم .
-إذن أين أخوك الهارب يابن الهرمة.. ؟.

لما يئس المحقق منه أمر العسكر أن يفعلوا به حتى يرشد إلى مكان أخيه، فدهش العسكري الدميم وفغر فاه عندما وجد أن المواطن م مخصي مجبوب وبلا فتحة إخراج!!.رأى المحقق أن أنسب نوع من التعذيب لهذه الحالة هو النفخ والتعليق وقال:لا تدعوه حتى يعترف .


في اليوم التالي تم ترحيل المواطن م إلى المعتقل مجانًا على نفقة الكوكب؛ لأن أحد العاملين القدامى في بوفيه الجهاز-وهو قريب لأمه- قد توسط له لدى البيك، وبعد يومين تم العثور على المواطن الهارب وأخيه، ولما علم (س) والد (م) بأمر القبض على المطلوبين هرول إلى الجهاز ليرجوهم أن يفرجوا عن ولده الوحيد، فرحب به المحقق وقدم له شايًا فاخرًا وقال: الدواعي الأمنية لا تسمح بخروج أي شخـص الآن، ولكني أعدك ****************** أن يكون وحيـدك أول الخارجـين متى أتيـح ذلك


شكر الوالد (س) المحقق وصافحه بحرارة، ولكنه لم يعد إلى زوجته إلا بعد أربعة أشهر لا يرتدي سوى سروال مرقوع ليبشرها أن البيك قد أثلج صدره،وأعطاه أملاً كبيرًا في خروج وحيدهما متى أتيح ذلك، فأطلقت الأم زغرودة كبيرة اهتزت لها أركان الحارة،وراحت *******************!!قبيل الفجر تسقي جيرانها ماءً بسكَّرٍ


تنبيه : هذه آخر خرافة حتى لا يمل القارئ من التشابه.

الخميس، يوليو ٠٢، ٢٠٠٩

خرافات خيالية من كوكب ك

الخرافة الثانية : المواطن صبري عبد الصبور

الرجل العظيم الذي ادعى الألوهية، ونددت به الجماهير لم يُقدَّم للمحاكمة أغلقوا ملفه، وأعلموا فيه خطوطًا حمراء، وحذروا الصحف من مسه؛ لأن الرجل فَقَد كلبه الأليف في ظروف غامضة، ونفقت قطته الصغيرة في أثناء وضعها. أما الأستاذة الجامعية التي ادعت النبوة، فقد حُكِم عليها بثلاثة أشهر مع إيقاف التنفيذ، احترامًا لحرية الاعتقاد وصونًا لمستقبلها الأكاديمي؛ ولأنها جميلة تملك نهدين نافرين رائعين.


وأما الإرهابي الأسود الذي قيل: إنه سب وزير النمو الكوكبي وتوعد باغتياله على الملأ، فقد تم القبض عليه وسجلت اعترافاته كاملة، وحرزت المواد الكيميائية التي كان ينوي خلطها ليصنع منها قنبلة فاتكة؛ ولكنه خرج من المعتقل بعد ثلاثة أشهر؛ إذ لجأ أبوه إلى راقصة الكوكب الأولى الآنسة ف التي تنتمي في الأصل إلى قريته، وقد كان أسدى لها في القديم معروفًا عظيمًا عندما انهال أهل القرية عليها ضربا بالقباقيب حتى أسالوا دماءها؛ إذ وجدوها عارية في حضن أحد شبانهم بين حقول الأذرة، فأنقذها من بين أيديهم وعطف عليها وأعطاها بعض المال قبل أن تهجر القرية إلى عالم الشهرة والسياسة، رحبت به الراقصة وذهبت في الليلة ذاتها إلى رئيس وزراء الحبس الكوكبي..مكثت في مكتبه الأنيق ساعة كاملة خرجت إثرها تسوي ثيابها وترتب بعض خصلات شعرها..طمأنت والد الإرهابي الذي كان ينتظرها خارج المكتب، وأكدت أن ولده سيكون في بيته صباحًا وكان...!!.

وأما المواطن النحيل صبري عبد الصبور، فلم تجد معه توسلات أبيه المشلول ولا دموع أمه العجوز، قدم له أهل الخير آلاف الالتماسات والتظلمات ..طالبت بعض الصحف العميلة المأجورة وزير الحبس مرارًا بالإفصاح عن سبب اعتقاله .. حاول أحد القساوسة في قريته أن يتوسط له فلم يفلح.لبث المواطن صبري عبد الصبور في المعتقل إحدى عشرة سنة دون محاكمة دهمه فيها أمراض قاتلة فقد فيها النطق، وفقد الذاكرة، وفقد حاسة الشم... وفي أحد التفتيشات الروتينية أصيب المواطن صبري عبد الصبور بجرح غائر في رأسه من جهة القفا، فاضطرت الإدارة إلى نقله إلى مشفى المصلحة، ولكن بعد أن بصم على إقرار أقر فيه بمسؤوليته عن هذا الجرح الخطير، وفي أثناء العلاج أصيب المواطن صبري عبد الصبور بغرغرينا في الجمجمة، فأجمع الممارسون والممرضون والفنيون والعشماوية وقائدو الترحيلات وإداريو المشفى وإداريو المطابخ على ضرروة بتر الرأس وفصله من موضع الرقبة، وإلا سرى الداء إلى سائر الجسد.

وفي إثر الجراحة الناجحة التي أجريت تم الإفراج الصحي عن المواطن صبري عبد الصبور، فاستقبله أهله بالزغاريد والقبلات والدموع الحارة، وأمام بوابة السجن، قالت له أمه:الحمد الله الذي كحل عيني برؤيتك قبل الموت..احمد الله يا ولدي ..نصف العمى ولا العمى كله.!!.أما أبوه فقد ربت كتفه وابتسم قائلاً له: لا تحزن إن المصلحة منحتنا شيكًا نشتري لك به رأسًا صناعيًّا على نفقة الكوكب ..وقد عثرنا لك على عروس جميلة !!.

الجمعة، يونيو ٢٦، ٢٠٠٩

خرافات خيالية من كوكب ك

الخرافة الأولى : السدادة الأخرى

العم "خ"رجل في الخمسين من عمره، مسالم جدًّا ، يُحرِّم على أهل بيته الاستماع إلى نشرات الأخبار، ومشاهدة بعض أفلام الكرتون التي يستشعر بفراسته التي لا تخيب أن الخراب يقف وراءها، ويحرم عليهم اقتناء أي نوع من الصحف، ويتقي الله في لسانه ولسانهم؛ لأنه يعلم أنه يورد المهالك، ويضع في أذنيه سدادت طوال الوقت حتى ظن الناس أن به صممًا

ركب العم "خ" في الصباح الباكر حافلة متهالكة حتى يصل إلى عمله، وقد جلس إلى جواره مواطن شديد النحافة كأنما خرج من القبر توًّا، راح هذا المواطن يتصفح جريدة ساخطة اسمها (لا) في صفحتها الأولى عنوانٌ بارزٌ يشير إلى محاولة اغتيال فاشلة لزعيم كوكب "ح" الشقيق، قام فيها متمردون بزرع أطنان من المتفجرات في دورة المياه الخاصة به. غض عم "خ" بصره ..وتفل عن يساره واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ..حول بصره إلى الأمام، ففوجئ أمامه بجريدة أخرى اسمها (نعم) يقرأها راكب آخر في صفحتها الأولى صورة مكبرة لزعيم كوكبه يبدو عليه الغضب الشديد وهو يزمجر ويتوعد بتتبع المجرمين الذين حاولوا اغتيال أخيه زعيم كوكب "ح" والقضاء عليهم. ارتعد العم "خ" من منظر عيني زعيمه الناريتين اللتين تكادان تخترقان الجريدة واصطكت أسنانه بشدة؛ فهو يهاب النظر إليهما منذ أن كان طفلاً في السادسة، ثم راح يدعو طويلاً لزعيمه بالصحة وطول العمر. وصلت الحافلة وظل العم "خ" مضطربًا في عمله طوال اليوم لا يدري سببًا لذلك، حتى عاد إلى بيته مرهقًا متوعكًا، وما إن وضع رأسه على الوسادة، حتى راح في سبات عميق..تصبب جبينه عرقًا ..تواردت عليه رؤى وكوابيس لا حصر لها، استيقظ في الصباح الباكر لا يتذكر شيئًا منها إلا كابوسًا واحدًا كان ألح عليه، فقصه على زوجته همسًا من ***************************************الخوف والفرق

في منتصف الليل طرق شخص الباب على استحياء طرقات خفيفة، فقام العم خ ليفتحه، فوجد رجلاً ضخمًا مريبًا متلفعًا بالسواد، يأمره أن يحضر حافظة نقوده وسكين المطبخ وصورتين للمرحوم أبيه، وأن يتبعه إلى الجهاز، فامتثل العم للأمر، وهناك راحوا يقيمونه ويجلسونه على خازوق ضخم مدهون بالمازوت، آمرين إياه أن يدلي بتفصيلات خطته التي كان يدبرها لاغتيال زعيم كوكبه، فدهش العم خ وأغشي عليه من هول الصدمة والمفاجأة، فأيقظوه بهزتين عنيفتين للخازوق من تحته، فأفاق ثم أغشي عليه أخرى، وبعد تعذيب دام عشر ليال تحقق المحققون والأطباء والخبراء النفسيون والمخبرون أن خطة الاغتيال هذه ليست سوى حلم راود العم خ في منامه بأثر الأخبار التي اطلع عليها صباح ذلك اليوم، سكت المحقق هنيهة، ثم أمر المخبرين بإخراج الخازوق المدمى..وأجلس العم بجواره، وربت كتفه وأثنى عليه بكلمات طيبات، بل أمر العسكري بإحضار كوب ليمون له حتى تهدأ أعصابه الخائرة، ثم دنا المحقق جدًّا من أذن عم خ اليسرى فوجد بها سدادة، نزعها بشدة متعجبًا، ثم راح يهمس فيها بصوت أشبه بالفحيح متسائلاً : من الأشخاص الذين شاركوك ***********خطة الاغتيال في الحلم؟ أنبئني بأسمائهم.. أوصافهم..عناوينهم.. هيا

سُقط في يده، وأقسم بحياة رئيس الكوكب أنهم أشخاص وهميون لا يعرفهم، ولا هو رآهم في الحقيقة، هم محض خيال وزوار أحلام ،ولكي يقرب أوصافهم للمحقق شبَّه أحدهم بالعم "ز" بائع البطاطا، وشبه الآخر بأم عربي المرأة الكسيحة التي تبيع الجرجير والفجل أمام منزله، فأمر المحقق بإحضار هذين الشخصين على الفور، ووضْعهما على خوازيق مماثلة، ولكنَّ التعذيب لم يسفر عن شيء سوى مصرعهما. لاقى العم "خ" بعدهما تعذيبًا أشد وأنكى، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة نُزعت المهابة من قلبه، فتشجع وطلب من المحقق أن يجيبه عن سؤالٍ واحد قبل أن يلقى ربه فقال له المحقق: تفضل. قال العم : من أين علمتم بالحلم اللعين الذي رأيته ؟ هل زوجتي الخائنة هي من أخبركم؟ قهقه المحقق وكشف عن أسنان عريضة كالحة وقال: أتعرف القلة القديمة المكسورة التي تضعونها في زكيبة الكراكيب أسفل السرير .. لقد وضعنا لك فيها جهاز تنصت دقيقًا جدًّا يرصد السر وأخفى !! هنا شعر العم خ أن خازوقًا طويلاً قد أشرف على الخروج من فمه، فجحظت عيناه و تصلب جسده، ، ثم خمدت روحه ، وما زالت في أذنه اليمنى سدادة أخرى************************************


تنبيه : هذه أقصوصة خرافية من مجموعة أقاصيص لم تتم نرجو أن نواصل نشرها في التدوينات القادمة

الأحد، يونيو ٢١، ٢٠٠٩

خربانستان


في البدء كانت حمارة عجفاء تهرول في البراري وتنهق نهيقا منكرًا حتى أخذها النُهاق، تبغي السفاد والمعاشرة، فلم يجبها إلا خنزير أجرب نزا عليها وأفرغ ماءه فأدركه النوم ولم ينزل عنها إلا بعد يومين. وظلت تهرول وتنهق حتى أدركها ذئب خبيث أشيب نزا عليها فعقدت عليه ولم تفلته إلا بعد أن أودع رحمها نطفة قذرة. وظلت تنهق حتى أفحشت في النهيق فصك صراخها آذان إبليس بجلالة قدره، فدهمها وركبها وصب في رحمها ما شاء من لهيب نطفه حتى تكور بطنها واشتد جلدها.
**
وبعد عام أو عامين جاءها المخاض وأخذها الطلق فوضعت من عجائب المخلوقات ثلاثة: مخلوق له أذنان كبيرتان تقفان على قدم صغيرة بلا سيقان وله عين فجة ترى كل الأنحاء من جهة واحدة في آن واحد. ومخلوق آخر بلا قلب، إن هو إلا يد ضخمة شائهة تنبثق من كرش شاهق يستند إلى مؤخرة معوجة. ومخلوق ثالث هو رأس ضخم أبله يلحقه سوأة لا يسدها إلا التراب يبدو أنه لأنثى. ولفظت الحمارة أنفاسها الأخيرة وتركت أيتامها الثلاثة في العراء بلا راع ولا أنيس، فرقّت لهم كلبة نزقة من شرار الكلاب وتعطفت عليهم وأرضعتهم من لبنها حتى اشتدت أعوادهم ونهضوا لالتقاط أرزاقهم .

نكح الأول أخته البلهاء ذات الرأس وأنسلها سلالة نادرة، منها الشرفاء من البصاصين والخباصين الذين يجسون الجدران ويسمعون دبة النملة وتنهيدة البقة وعذاب أهل القبور، ومنها صنف خسيس غير شريف يقال لهم : الجواسيس. وأما الثاني فقد نكح البلهاء وأغزر في نسله وبورك له فيه، فكان من نسله سلالات وسلالات منها سلالة يقال لهم: أصحاب اليد الطويلة وأخرى من الأشراف يقال لهم: القحاب وثالثة هي من أشرف السلالات جميعا ***************************** وأكثرها بركة يقال لها: الرؤوس



وتداخلت السلالات والأنساب وتكاثرت وملأت البقاع والأباطح وآل الأمر للرؤوس لا ينازعهم فيه منازع واستعانوا في إدارتهم ببني عمومتهم وبني أخوالهم من بني يدٍ وبني أذنٍ وأصهارهم من القحاب ومن يجاورونهم. وما أداروا حربا إلا انتصروا فيها وما أعدوا لمجاعة عدة إلا قهروها بالصبر وحسن التخطيط والإيمان الذي يعمر القلوب، وبرعوا في الخطابة حتى ضرب بهم المثل فقيل : أخطب من بني الرؤوس، وتفننوا في بناء المقابر وهندستها وزخرفتها حتى طبقت شهرتهم الآفاق ،ووفد إليهم السائحون والدائنون ومدمنو النارجيلة وقافزو الحبال والسحرة والمشخصون ومقزقزو اللب ولاعبو السيجة وماضغو المدغة والعلك وباعة الأطفال والترمس والحرنكش وأم الخلول وباعة الشرف من كل حدب وصوب ليشهدوا منافع لهم وينهلوا من حضارتهم العريقة وينقلوا عنهم الفنون والعلوم والآداب. وعلى ذا قامت حضارة خربانستان .

الثلاثاء، يونيو ١٦، ٢٠٠٩

من أخبار الغابرين .. لابن كانْزَمَان


أيقن "فَيْشَلَة" المعظم أنه قادر بحق .. فهو الآن ملك البِيد والعبيد بلا منازع .. الكلُّ طوع بنانه: الجن والإنس والشجر والدواب .. لا يجرؤ صعلوك على مخالفة أمره .. يأتيه رزق الناس رغدا من كل مكان : من إتاوات الملوك، وقطع الطريق وثلثي أرزاق أهل الكدية والضرائب وغير ذلك .. فقط قبيلة " بني كنانة" الكبيرة هي التي تنغص عليه حياته تقف له كاللقمة في الزور؛ إذ إن لها جيشا عرمرما، ورجالا أشداء لا يردُّهم رادٌّ متى أُرِيدُوا بسوء .


فكر " فيشلة" مليًّا في حيلة ينفذ بها إلى بني كنانة؛ ليقضي عليهم، وينعم بخيراتهم وظلالهم الوارفة ونسائهم البيض الفاتنات .. هداه تفكيره إلى فكرة إبليسية ما إن التمعت بذهنه حتى صاح صيحة هائلة، فالتف حوله رجاله وخلصاؤه في الحال فاجتمع بهم وقال لهم : لقد تفتق ذهننا عن فكرة عبقرية نبتلع بها بني كنانة .. لقد قررنا الزواج من الأميرة " جميلة" بنت عبد الغني ملك بني كنانة ورتبنا لذلك ترتيبا عظيما . صاح الوزير : نِعم ما هداك إليه فكرك أيها الملك المعظم. ولكن أحد الكبراء الحاضرين اعترض قائلاً: كيف يا مولاي؟ كيف تخمسون وأنتم زوج لأربعة ولا سبيل إلى تطليق إحداهن وإلا ثارت ثائرة القبائل .. ومخالفة الشرع بالتخميس – وإن كانت عندنا أهون وإلينا أحب– فإننا لا نأمن معها الفتنة والخروج . قاطعه الشيخ الطَّاوي بعد أن سوَّى عمامته فقال: ياهذا بأيِّ كتابٍ أم بأية سنة أفتيت (( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون )) ألم يقل الله في كتابه : (( فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع )) وحصيلة الأعداد المذكورة في الآية تسع زوجات، يؤيد ذلك السنة المطهرة فالنبي تزوج بتسع زوجات، ولم يرد في النهي عن التخميس شيء يعتد به، ثم صاح الشيخ قائلاً: سر على بركة الله يامولاي سدد الله خطاك وأيدك بنصره.سُرَّ الملك بالشيخ سرورًا عظيمًا فاحتفى به وأجزل له العطاء وأقطعه ضيعة عظيمة–رغم شحه –وأمر ألا يُفتى والطاوي بالمدينة


قدم فيشلة هداياه الثمينة للملك " عبد الغني" الذي رحب به وشكره على هداياه وأحسن ضيافته ثم أجلسه إلى جواره ليتكالما فأفصح له " فيشلة" عن مراده ورغبته في مصاهرته، وأبدى استعداده لتلبية كل مطالب كريمته جميلة ..فقال له الملك: .. لكن ياعزيزي إن ابنتي قد اشترطت عليَّ ألا يظفر بها إلا أشجع الفرسان ولقد أجبتها إلى ذلك .ثم أردف قائلا: وسوف أعلن بعد أيام الدعوة إلى المبارزة وسيقتصر الأمر على أو ل عشرة فرسان يتقدمون فيتبارزون فيما بينهم ومن يظفر منهم برؤؤس الآخرين يظفر بابنتي وإني لأحسبك فارسا لا يشق له غبار فأبشر..شكره فيشلة على حسن ضيافته وودعه لينصرف برجاله وقال في نفسه: أتظننا لن نظفر منك بطائل أيها الملك اللعين ..!!.

رغم الإرهاق البادي على وجهه وآلام الشيخوخة التي تواطأت عليه الليلة، فقد ظل فيشلة يقطع غرفته جيئة وذهابا لا يقر به قرار ولا يثبت في مكان واحد ..يفكر ويقدر كيف يظفر بتلك الأميرة المدللة؟ .. كيف يبارز الفرسان وقد رق عظمه وتضعضعت أركانه؛ فإن للثمانين أحكامها وأحوالها .. فما الحيلة إذن ..؟ . اجتمع الملك بقائد العسكر وأمره أن يُعِدَّ له تسعة فرسان أشداء من المخلصين الموالين له، وأن يُعِدَّ أكياسا مليئة بسائل الزعفران الأحمر، وسيفا يبدو حدُّه للناظرين مصقولا قاطعا ولكنه لا يقطع ولا يجرح فقط له طرف يثقب الأشياء دون أن يجترحها ..ونفَّذ قائد العسكر الأوامر بحذافيرها – في سرية تامة – وأرسل فيشلة في طلب الحكماء والعشابين والمزينين ليداووا أسقامه ويصلحوا من هندامه ويعيدوا إليه بعضا من صباه ..وأمر فيشلة الفرسان التسعة بسرعة التوجه صباح الميعاد المحدد إلى بني كنانة على أن يتبعوه فرادى ، وأفصح لهم عن خطته المرسومة، وحدد لهم أدوارهم الموسومة .

استقبل الملك "عبد الغني" الفرسان في باحة القصر بحفاوة بالغة وكرم مشهود، وأغلق باب القبول وبدأت المبارزات وسط الحشود الكثيفة والجماهير الصاخبة .. واستطاع "فيشلة" في مهارة وخفة أن يحوز إعجاب الجميع ..بدا اقسى من الصخر، تطوح بسيفه يمينا وشمالاً وراح يحصد خصومه التسعة واحدا تلو الآخر ويضرجهم في دمائهم وكان حراس فيشلة يتكفلون بسحب الجثث بحجة دفنها بعيدًا ...

أعجبت الأميرة " جميلة" بذلك الشيخ الفتيِّ الشجاع الذي تخضبت يداه بدماء أشجع الفرسان، فرضيت به زوجا وعُقِد قرانهما في الحال .. وعلقت الزينات وأقيمت الأفراح، وزفت الأميرة إلى فيشلة الأعظم في الليلة نفسها وفي ثيابه المخضبة بالدماء .. ودخل العروسان السعيدان غرفة الزوجية وبعد قليل أقلقت الأميرة حالة الإعياء الشديد البادية على وجه فيشلة ،وتوجست خيفة من ذلك فتماسك فيشلة وقَبَّلها بصعوبة بالغة ،ولكنه سرعان ماتهاوى بجسده الثقيل على الفراش وظل يتصبب عرقا ويتأوه بشدة من آلام شتى هاجمته دفعة واحدة ؛ حتى إنه جعل أصابعه في أذنيه عساه أن يخفف من حدة أوجاعها.. فاغتمت الأميرة لذلك وأشفقت عليه وأتت بمنديلها الحريري وراحت تغمسه في ماء الورد لتجفف به عرقه وتمسح الدماء العالقة بيديه فدهشت الأميرة عندما لحظت أن لون الدماء لا يزول بالماء وكأنما هو صبغ ثابت .. وبينما هي تعتني به تقيأ بشدة وبلل ملابسه وسرواله وفراشه ، فنزعت على الفور عنه ملابسه كلها؛ فكانت المفاجأة غير المتوقعة التي شهقت لها الأميرة شهقة عظيمة ولطمت خديها إذ رأت أن فيشلة الأعظم كان بلا .... !! من غير بتر أو جَبٍّ فدارت بها الدنيا وكادت تتهاوى فاقدة الوعي لكنها تماسكت وسترت جسده ،ثم صاحت في الخدم ليستقدموا الأطباء والحكماء... ولكن قبل أن يصل هؤلاء كان فيشلة قد أسلم الروح بوجه شنيع بشيع .. وظلت الأميرة تبكي بكاء مريرا متواصلاً على فجيعتها، وتساءلت كثيرا من أين أتى بابنه الذي ينتسب إليه ؟ ذلك الابن الذي يشبه أمه تماما، وتعجب الناس من حبها العظيم لفيشلة وهو لم يقض معها ليلة كاملة ، وتعجبوا لوفائها الفريد الذي لم يشبه تلون حتى صارت أحدوثة ومضربًا للمثل ..


منع فيشلة الصغير " وسيم بن فيشلة المعظم " زوجة أبيه من مغادرة القصر، فقد اعتبرها تراثا ورثه فيما ورث عن أبيه، بل أراد نكاحها والعقد عليها فأبت عليه وقالت: نولك والله ما في السماء السابعة أقرب إليك مما أردت . .ولما ذكَّرته بأنها محرمة عليه؛ لأنها زوجة أبيه .. أرسل في طلب المشايخ وعلى رأسهم الشيخ الطاوي الذي قال لها: يابنيتي إن الله قال: ((ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم)) ومولانا فيشلة المعظم – طيب الله ثراه – لم ينكح ..فقالت : لكنه عقد علي ولمسني وقبلني .. ورأيت منه ما ترى المرأة من زوجها و.. ونظرت إلى فيشلة الصغير وسكتت قبل أن تتم كلمتها.فأجابها قائلاً: لا ضير ..فإن الختانين لم يلتقيا ... وقبل أن يتم الشيخ عبارته تعالت صيحات عارمة خارج القصر، وسُمعت جلبة عظيمة اضطرب لها جميع من بالقصر .. بيد أن رجالا من قوم فيشلة ورجالا من بني كنانة ضاقوا ذرعا بما يجري، وفاض بهم الكيل، فأشعلوا الحرائق ، ولعنوا فيشلة المعظم ونددوا بفيشلة الصغير ، وحاصروا القصر حصارا شديدا وما زال حصارهم مستمرًا ... بتصرف



حاشية :
هذا الجزء منقول عن مخطوطة بالية عثرنا عليها في صندوق قمامة بإحدى دور الكتب القومية بدولة كبيرة رائدة في كل شيء.وذلك في أثناء حملة تنويرية نشطة لإعدام كافة المخطوطات التي أكلتها العتة وعشش فيها البق ولا فائدة في محتواها. وكان عملنا هو محاولة تجميع ما تناثر في الصناديق من قصاصات ومقارنتها وقراءتها ونسخها وتحقيقها وتلفيق مواضع الخرم والتآكل، وهذا ما استطعنا إنقاذه من المخطوطة فليعذرنا القراء إذا غمضت عليهم بعض العبارات أو شعروا بالحذف في مواضع أو بزيادة مدسوسة في أخرى وأما نسبة المخطوطة إلى مؤلفها فمشكوك فيها وترجيح هذه النسبة كان فذلكة منا وفكاكة .