الجمعة، نوفمبر ٢٧، ٢٠٠٩

دون كيشوت.. ومعركة الكرامة المستديرة

لا يحسبن القارئ أن هذا العنوان ذو قيمة أو فائدة .. فقد وضعته خبط عشواء، حتى يلائم ما نعيشه من عشوائية وعبثية وأنانية وعصبية واستعباط وجهل وسفاهة .. وأرجو ألا يطمع القارئ في أن يجد تحت هذا العنوان موضوعا أو كلاما ذا قيمة فليس في الرأس فكرة ولا في المخيلة موضوع.. فلا ينتظر قارئ أن أقص عليه شيئا عن المعتوه دون كيشوت ذلك الفارس الموهوم الذي كان يحارب طواحين الهواء والنعاج والدمى بسلاحه المتآكل ودابته العجفاء ظنا منه أنه سيقيم العدل في ربوع الدنيا . ولا ينتظر قارئ أن أحدثه عن معارك انتخابية أو معارك حربية تسترد فيها الكرامة أو أن أسرد له التداعيات التي تجلبها كلمة (الكرامة) فأحدثه مثلا عن احترام أعراض المواطنين الكرماء أو عن شهيدة الحجاب التي ذهب دمها هدرا أو المواطنين الذين تنتهك كرامتهم في السعودية والكويت ولبيا بلا حساب، أو عن الجنود الذين يحرسون الحدود ويقتلون بدم بارد على يد أعداء نحابيهم بلا سبب أو عن الحق السليب في حرية التعبير.. إلخ فهذا الحديث لا يعنيني من قريب أو بعيد ... إذن تبقى ( المستديرة) لا أدري ما الذي حشر هذه الكلمة في العنوان .. لعلها أصداء دماغية باهتة .. لعلها طبقات رسوبية تراكمت في العقل الباطن .. كنت أود هنا أن ألخص قصة قصيرة للقاص المبدع – محمد حافظ رجب – عنوانها ( الكرة ورأس الرجل) لكنَّ سيرياليتها ورمزيتها حالت دون ذلك ، ولم تبق إلا قصة قصيرة للمبدع صلاح عبد السيد سأتلاعب في محتواها بالتلخيص والتعليق على بعض أفكارها بلون مختلف، وأرجو أن يعفو عني الكاتب على فتكي بقصته وإليكم القصة .

الرجل البيه .. قصة صلاح عبد السيد

الرجل البيه يرش الكلمات .. ( انتخبوني يا سادة.. سأزرع الأرض البور، سأفرش تحت رموشكم النور، سأسكنكم جنات الحور.. سـ ..سـ..سـ..) تنفتح الأعين والأفواه، وتدور الألسن في سقف الحلق .

تعليق : الرجل البيه نوع من الأعشاب البرية تفيد في تسكين وجع الدماغ وإزالة الكالو والزائدة الدودية، والمصران الغليظ كما تفيد في الإخراج بلا ألم .

مد أبو السعد رقبته واستطال بها حتى وصل إلى فم الرجل البيه – الواقف على كرسي – فقبع برقبته تحته يتلقف كلماته ( سـ..سـ..سـ..) دعك أبو السعد عينه الوحيدة وأخذ ينظر : سـ.. كان الرجل البيه سمينا،سـ .. متورد الخدين ..سـ ..أبيض الأسنان ..سـ.. غليظ الرقبة يلبس بدلة بيضاء .. ينتعل حذاء .. حذاء سـ ..وتوقف عليه بعينه ..

تعليق : بياض أسنان البيه يرجع إلى استعماله معجون سيجنال2 وأما بياض ثيابه فيرجع إما إلى شفافية الرجل وأعماله البيضاء وإما إلى ضبابية الرؤية عند أبي السعد ذي العين الواحدة.

انشغل بحذاء الرجل اللامع .. كان حذاء الرجل البيه يلمع كالمرآة .. حرك أبو السعد رأسه فرأى صورته تتحرك على الحذاء يتحرك تتحرك.. مد يده يلامس في حذر النقوش البارزة على كعب الحذاء ...سأل من بجواره : - البيه ده بيشتغل إيه ؟
- بيشتغل بيه كبير قوي في مصر !!.. - يعني إيه ؟
- راجل مقتدر ومتصل. - يعني إيه ؟
- راجل بيلعب بالفلوس لعب
تعليق : واضح أن أبا السعد قليل الذكاء عديم الفهم ميت البديهة لكثرة أكله الفول ومشاركته البهائم في حشائشها وتبنها وأعلافها .

كانت برطوشة أبو السعد المهترئة تنفرش تحت قدميه وكان جلبابه الرث قد تمزق وأبان عظام كتفيه وكانت بطنه المنتفخة كقربة ماء بفعل الاستسقاء تكاد تنام على فخذيه ولم يكن يلبس سروالا ..!!

تعليق : رثاثة أبي السعد الواضحة ليست عن فقر – حاشاه – وإنما ذلك من بساطة أهل الريف المعروفة وتواضعهم الجم، وأما بروز عظامه فذلك لزهده في الدنيا وعزوفه عن نعيمها ، وأما الاستسقاء فيعود إلى عادات أهل القرى الذميمة في النظافة والعك وحب السباحة في الترع والمستنقعات .. وأما عدم ارتداء السروال فحتى يسهل له قضاء حاجته سريعا في الترع أو على جدران البيوت .

علم أبو سعد من جاره أن البيه سيفرق فلوسا.. انتهى البيه ودوى التصفيق حارا ودارت هتافات التأييد انصرف بعربته ولكنه مضى ولم يوزع فلوسا ... مضى ولم يوزع فلوسا . انصرف الخلق .. ولم يبق واقفا غير أبو السعد وحده .. فاتحا فمه مسددا عينه الواحدة إلى اللافتة المعلقة ( انتخبوا سيد الحنش نصير الفقراء والمظلومين ) أحس أبو السعد بألم في بطنه المنتفخة وسع ما بين ساقيه ورفع جلبابه ونظر إلى اللافتة وبال بولا أحمر داميا ..وانسال البول على التراب يتعرج ..يتعرج .. ويتشابك ، يتشابك ويتقابل ..يتكون حروف لكلمات .. كلمات لا يفهمها أحد !!.
تعليق : هذه سقطة شنيعة وقع فيها القاص لأن أمثال أبي السعد لا يقرأون ولا يفهمون معنى النصرة أصلا ولا يعرفون معنى الحقوق. والبول الأحمر مبالغة فجة من القاص لعله يرمز به إلى الثورة البلشفية أو يستدعي به قصة ذات الرداء الأحمر ويمكن تفسير ذلك بأن أبا السعد أكل بنجرا كثيرا قبل بولته تلك . واما عن الحروف الهيروغليفية التي كونتها قطرات بول أبي السعد فلا علم لنا بها فهي تحتاج في حلها إلى من لهم نظر في النجوم وعلم بالسحر والعيافة وقراءة الطوالع ولعل الزمان يجود علينا بأمثال شامبليون فيفك لنا طلاسم البولة السعدية .


عاد أبو السعد بزجاجة المزيج عديمة الفائدة من الوحدة الصحية متبرما بها أحس بدوخة احتضن جذع شجرة وجد لافتة عليها تعبث بها الريح( انتخبوا سيد الحنش نصير الفقراء والمظلومين ) نظر إلى اللافتة كثيرا وانسالت زجاجة المزيج على التراب
**********

صرخ مأمور المركز : من حرضك على سرقة اللافتة من ؟ من حرضك؟ تكلم..
وبعد سؤال وجواب وضرب وإهانة . صاح صوت سيد بيه الحنش :
- دا تخريب .. دا ضد الديمقراطية .. دا ضد الحرية .. دا ضد الوحدة ..ضد الوحدة
ولما لم ينطق أبو السعد أشار المأمور فانسحب أبو السعد مجرورا من تحت إبطيه إلى الداخل ...آه .. آه .. آه
- حطوه على الفلقة .. من ؟ من ؟ من ؟
انسحب أبو السعد في التو مجرورا من قدميه مرفوعا إلى أعلى فانشلح جلبابه وبان سرواله .. وعلى السروال كانت تلك الكلمات التي تلتف ( انتخبوا سيد الحنش) ( انتخبوا سيد الحنش نصير الفقراء والمظلومين ) وهوت العصي على بطنه وسرواله .

تعليق : اتضح أن أبا السعد عميل كبير للإمبريالية والاتحاد السوفيتي الساقط وأنه يعمل بمبدأ سعيد مهران في (اللص والكلاب) الذي كان يستبيح سرقة الأغنياء. وصمود أبي السعد يدل على أنه تدرب على قوة التحمل ومواجهة التعذيب في معسكرات خاصة ولكن الجريمة لا تفيد فقد افتضح سره وانكشف أمره لغبائه المفرط حيث إنه لم يفكر في إزالة الكتابة من السروال بالكلور أو بأي مزيل آخر وهذا هو الخيط الدقيق الذي قاد جهابذة الشرطة إلى معرفة الحقيقة وتقديم المجرم إلى حبل المشنقة .

الجزائر ومصر ... أحباء ولو كره المتعصبون

كل عام وشعب مصر الحبيب الشريف بخير ... كل عام وبلد المليون شهيد في أتم صحة وسعادة


هنيئا لمسلمي البلدين العريقين .... هنيئا للعقلاء والرجال وأصحاب المروءة والرزانة


وأما القلة القليلة المتعصبة في الشعبين وأما أصحاب النيات السيئة والأغراض الخبيثة والجهلاء والمريضة نفوسهم


فموتوا بغظيكم





عيد سعيد