لا أدري ما الذي جعلني أستعيد فجأة شريط ذكرياتي المهترئ، وأستعيد من نسيجه البالي المراحل التعليمية على وجه الخصوص... ربما كان السبب استغراق مدونتي في أمور تخص التعليم والتعتيم ، وربما كان السبب هو اطلاعي على تدوينة الصديق ماهر الشيال الأخيرة ( أزمة التعليم في مصر ) وربما وربما ....
تذكرت أيام الكتَّاب وكرابيج سيدنا السودانية الملهبة، وحبال التعذيب الإنجليزية التي كانت تزدان بها جدران الغرف الواطئة ، كنت اسمي بيته إلى عهد قريب بيت ( ريا وسكينة) وتذكرت منور بيته الواسع الذي كان ممتلئا بالقمامة عن آخره ويرعى فيه المعز والبط والدجاج . وقد كان سيدنا يسمع الماضي للكتاب كله في نفس واحد، حيث يحتشد جميع الصبية أمامه في الساعة العاشرة صغيرهم وكبيرهم، وكان يفترض بي أن أنصرف إلى الداخل بعد أن أصل إلى تسميع آخر سورة حفظتها ولم أكن أعرف ذلك لصغري وحداثة عهدي بالكتاب، فأضطر من أجل متابعة الجموع الواقفة إلى أن أحرك شفتي أفتحهما وأطبقهما كأني أسمِّع مثلهم، فيفطن سيدنا الأريب إلى ذلك رغم بعد المسافة بيني وبينه ورغم كثرة الطلاب، فيلسعني بكرباجه الطويل من بعيد ثم يأتي ليجذبني من قفاي ويلقي بي في ذلك المنور وينهال علي بالكرباج ضربا..!! لم أفلح في الكتَّاب ولم أنتظم فيه فقد خرجت منه بعد أن أتممت حفظ ثلاثة أجزاء فقط.
وانثالت على ذاكرتي مرحلة الابتدائية الجميلة البريئة، وكتبها الملونة المفيدة التي جار عليها الخبراء باسم التطوير والتحديث، وعلبة الألوان الخشبية التي كنت أنساها في البيت فترسل أمي إلي إخوتي رغم هطول المطر الشديد فيأتونني بها وأنا في المدرسة - يبدو أنها كانت تظنني بيكاسو عصره وأوانه - ولا أنسى قبلات مدرساتي الجميلات اللاتي كن يرشقنني بها عندما أجيب عن أسئلتهم - نوع من الحافز والتقدير البرئ - وهذا لأنني كنت أحسن القراءة والكتابة قبل دخولي المدرسة والفضل يعود - رغم ما ذكرت - إلى سيدنا رحمه الله .. ليته كان يتخفف من عنفه . وتلا ذلك المرحلة الإعدادية، واستوقفني حب أستاذي القبطي لي لتفوقي في مادة العلوم، فقد كان يباهي بي زملاءه كثيرا ، ويدعوهم إلى سؤالي ويلح عليهم في اختباري - أنا الآن لا أفرق بين الأحماض والقلويات ولا أتذكر الكثير من الرموز الكيميائية المشهورة -
تذكرت أيام الكتَّاب وكرابيج سيدنا السودانية الملهبة، وحبال التعذيب الإنجليزية التي كانت تزدان بها جدران الغرف الواطئة ، كنت اسمي بيته إلى عهد قريب بيت ( ريا وسكينة) وتذكرت منور بيته الواسع الذي كان ممتلئا بالقمامة عن آخره ويرعى فيه المعز والبط والدجاج . وقد كان سيدنا يسمع الماضي للكتاب كله في نفس واحد، حيث يحتشد جميع الصبية أمامه في الساعة العاشرة صغيرهم وكبيرهم، وكان يفترض بي أن أنصرف إلى الداخل بعد أن أصل إلى تسميع آخر سورة حفظتها ولم أكن أعرف ذلك لصغري وحداثة عهدي بالكتاب، فأضطر من أجل متابعة الجموع الواقفة إلى أن أحرك شفتي أفتحهما وأطبقهما كأني أسمِّع مثلهم، فيفطن سيدنا الأريب إلى ذلك رغم بعد المسافة بيني وبينه ورغم كثرة الطلاب، فيلسعني بكرباجه الطويل من بعيد ثم يأتي ليجذبني من قفاي ويلقي بي في ذلك المنور وينهال علي بالكرباج ضربا..!! لم أفلح في الكتَّاب ولم أنتظم فيه فقد خرجت منه بعد أن أتممت حفظ ثلاثة أجزاء فقط.
وانثالت على ذاكرتي مرحلة الابتدائية الجميلة البريئة، وكتبها الملونة المفيدة التي جار عليها الخبراء باسم التطوير والتحديث، وعلبة الألوان الخشبية التي كنت أنساها في البيت فترسل أمي إلي إخوتي رغم هطول المطر الشديد فيأتونني بها وأنا في المدرسة - يبدو أنها كانت تظنني بيكاسو عصره وأوانه - ولا أنسى قبلات مدرساتي الجميلات اللاتي كن يرشقنني بها عندما أجيب عن أسئلتهم - نوع من الحافز والتقدير البرئ - وهذا لأنني كنت أحسن القراءة والكتابة قبل دخولي المدرسة والفضل يعود - رغم ما ذكرت - إلى سيدنا رحمه الله .. ليته كان يتخفف من عنفه . وتلا ذلك المرحلة الإعدادية، واستوقفني حب أستاذي القبطي لي لتفوقي في مادة العلوم، فقد كان يباهي بي زملاءه كثيرا ، ويدعوهم إلى سؤالي ويلح عليهم في اختباري - أنا الآن لا أفرق بين الأحماض والقلويات ولا أتذكر الكثير من الرموز الكيميائية المشهورة -
ثم كان بعد ذلك الثانوية - مرحلة التدهور الكبير - مرحلة المراهقة والمشاغبة وحب الاستطلاع الزائد، كنا نهرب وبعض الأصدقاء لنمضي أوقاتنا على كورنيش النيل ونختلي في الحدائق الصغيرة هناك ونقيم حلقات ساذجة لتحضير العفاريت والجان، من كتب صفراء كان يقتنيها صديق لنا، ونتناقش في بعض ما قرأنا للدكتور مصطفى محمود - خاصة العنكبوت - بانبهار شديد، ونتلذذ بسرد بعض رحلات أنيس منصور اللذيذة، وكنت أهرب كذلك كل أسبوعين من أجل متابعة الأفلام السينمائية الجديدة في السينما الكحيانة عندنا - خاصة أفلام الرعب والأكشن - ومشاغباتي التي كنت أفتعلها مع المدرسين - كانوا يدعونني في المدرسة بالمشاغب المهذب - كنت أفعل بالمدرسين ما أريد دون عنف أو ضرب - كما كان يفعل زملائي البلطجية - أو دون دفعهم إلى طردي، أثير ضحكهم وأضيع الحصة عليهم - هذا كنت أفعله مع المدرسين الضعفاء علميا من الذين يجبرون الطلاب على الدروس الخصوصية ويهددوننا، كنت أفعل ذلك نكاية فيهم لأني لا أستفيد منهم شيئا.... للحديث بقية .