السبت، أغسطس ٣٠، ٢٠٠٨

يوميات باحث عبيط - الرابعة







بعد أن صنعت ببليوجرافيا محكمة لموضوع الخطة، كان لا بد لي من الاطلاع على رسالة علمية لها صله بموضوعي.هذه الرسالة موجودة بالمكتبة المركزية بجامعة الأزهر الشريف الجليل الكريم العليم الرحيم رضي الله عنه وأرضانا به. قلل البعض من أهمية الرسالة الأزهرية وقال: أزهر إيه وبتاع إيه . وقال رجل من أهل المدينة: إنا غير ملزمين بالفحص والتنقير في الأزهر؛ لأن رسائلهم الموضوعة في مجال تخصصنا طبيخ؛ ولأنهم يكررون الموضوعات ويجترونها اجترارا كأنما يبصق بعضهم في فم بعض دون حياء أو خجل. وأضاف أن هناك سرقات وتلفيقات كثيرة عندهم. وقال الذي عنده علم من الكتاب: إياك والذهاب إياك والذهاب. لكنني ضربت بكلامهم الجائر عرض الحائط، وتوكلت على الله غير آبه لما قالوا : قلت لعله الحقد والحسد، وإن المعاصرة كما يقولون حجاب، وأنا مؤمن أن الغث أكثر من السمين في كل مكان في الأزهر أو غيره.

في الصباح الباكر، صعدت الأتوبيس المتميز- لعلها من قولهم: فلان يتميز من الغيظ - المتجه إلى مقر تلك الجامعة من رمسيس، ولكن ما إن خطا الأتوبيس خطوتين،وتقدم مترين، حتى تكدس في لمح البصر وامتلأ عن آخر آخره بقطعان البشر. وكأنا في يوم الحشر، فتصبب العرق مني بشدة، وانكتمت أنفاسي وانضعط بطني، والتوى رأسي، واندلقت أطراف القميص خارج السروال، وانحل رباط الحذاء، وابتل الجورب، وبلغ السيل الزبى. فسببت نفسي سبا شنيعا بشيعا على قلة خبرتي، ولعنتها على سوء تقديرها للأمور، وعلى سوء حظها.

دخلت الجامعة واستبشرت خيرا، فلا مخبرين على البوابة ولا أعين ولا بصاصين... المكتبة المركزية ذات هيئة جيدة،ونظيفة، مما يدل على أنه قد أنُفق فيها الشيء الفلاني. صعدت إلى الدور الثالث حيث قاعة الاطلاع على الرسائل، استقبلني، شاب، وطلب مني إبراز الهوية، ووقعت في الدفتر، ثم استفسر عما أريده، وجلس إلى الحاسب ليبحث عن الرسالة المطلوبة، وقد توصل إليها ولله الحمد بعد ثلاثين دقيقة تقريبا؛ فقد كان غشيما جدا لا يفقه ألف باء حاسب، وفي الوقت نفسه ممنوع منعا باتا لمس الجهاز المقدس من قبل الغرباء والدخلاء والمتطفلين وابن السبيل. ولكني اضطررت إلى إرشاده مشافهة حتى تمت المهمة بنجاح . ثم أرشدني – حفظه الله- إلى الأرفف التي يمكن أن أجد عليها الرسالة، وتركني وحيدًا شريدا أبحث بنفسي، وظللت عشرين دقيقة أبحث وأنقر وأدقق وأحقق ولكن بلا طائل فأخبرته بذلك، فظل يتقافز هاهنا وهاهنا وجاب الآفاق حتى عثر عليها في مكان آخر. شكرته وأخذت الرسالة ممتنا.

توجهت بالرسالة إلى المكان المخصص لاطلاع الباحثين، فجبذني من ذراعي قائلاً: إلى أين؟ ... لا تجلس هناك. قلت : لمه ؟ قال: أنت لم تدفع بعد ؟ قلت : ماذا؟ قال: رسم الاشتراك عشرون جنيها. قلت: لكني أريد الاطلاع على محتوى الرسالة فقط. قال: إذن اجلس هنا أمامي. شكرته وجلست أتصفح الرسالة وأنا أزدرد لعابي بصعوبة، أخرجت قلمي وأوراقي لأدون بضع ملاحظات، فهب من مجلسه مشيرا بكفه نحوي أن لا!! قلت : لمه؟ قال: ممنوع أنت لم تدفع بعد . فنحيت القلم والأوراق جانبا ودمي الضحل قد بدأ يغلي في عروقي المهترئة الضعيفة. وبعد عشر دقائق، هب الشاب من مقعده كمن عقره كلب، وصفق لي بقوة قائلاً: لقد انتهى وقتك ياأستاذ !!!. فانطلقت رغما عني ضحكة لا أدري ما سمكها، وقلت متفكها: أهي (بسكلتة) ياسيدي استأجرتها منك بضمان الشبشب، ثم بعد أن انتهى الوقت تصفر لي وتصفق لأعود!!!!. ما هذا يا أستاذ ؟ أمن أجل أن أطلع على رسالة لا بد أن أدفع إتاوة في كل مكتبة أدخلها؟ أمن أجل ذلك تهان كرامتي؟ لم كل هذا العنت والتكلف والتضييق؟ هل هذا هو التشجيع المزعوم للبحث العلمي؟ هل تحوي الرسائل أسرارا عسكرية لا يجوز الاقتراب منها ؟ أيحدث هذا في الأزهر الشريف الذي يفترض فيه أنه يبذل العلم للناس ويشدهم إليه، وذكرته بحديث النبي صلى الله عليه وسلم :من كتم علما مما ينفع الله الناس به ألجمه الله بلجام من النار. فيبدو أن المسكين لم يفقه قولي، فهو موظف مسكين ينفذ التعليمات فقط، وقد أشار- حفظه الله- إلى قرار مصلوب على الحائط ممهور بأختام شريفة وإمضاءات جليلة. ولما هدأت ثائرتي سألته هل يوجد تصوير؟ قال: لا التصوير هنا ممنوع منعا باتا، وأشار إلى قرار شريف آخر مصلوب بجوار أخيه السابق يؤكد صدق قوله. فقلت له: هل تسمح لي أن أنقل فقط فهرس موضوعات الرسالة؟ فنظر- حفظه الله- إلى السقف وحملق فيه قليلا ثم قال لي مترددا : تفضل . فنقلته سريعا. وحمدت الله أن الرسالة عادية جدا شأن رسائلنا العلمية الرائعة في هذا الزمان المبارك، وخرجت من جامعة الأزهر الشريف رضي الله عنه وأرضانا به وبأهله، وعبارة ( إياك والذهاب إياك والذهاب ) تطن في أذني طنا .

الخميس، أغسطس ٢٨، ٢٠٠٨

يوميــات باحث عبيـــط - الثالثة




انطلقت وكلي شوق إلى مكتبة الإسكندرية الجميلة الرائعة، وأنا في الحقيقة مغرم بهذه المكتبة ومعجب بالفكرالذي يديرها أشد الإعجاب: فكلها سعة ونظافة وجمال ودقة وانضباط وتعاون وهدوء... بل إن العاملين فيها والعاملات والموظفين والموظفات على قدرعال من الجمال واللباقة والثقافة والأدب، تبدو على وجوههم النضارة والترف والشبع، وهذا والله ما قد لاحظته على العمال الذين يعملون بدورات المياه هناك التي لا أحرم نفسي من دخولها كلما ذهبت، لاستمتع بنظافتها وبريقها اللامع، ولم أشك ألبتة في أن هؤلاء العمال متعلمون وحاصلون على مؤهلات عالية، ومن هنا كان من الطبيعي ألا تسمع عن سرقات للكتب القيمة أوالمخطوطات النادرة وبيعها لتجار الروبابيكيا وباعة الكتب بثمن بخس دراهم معدودة كما يحدث في مكتباتنا العريقة؛ لذا كنت أرى أن القاهرة أولى بهذه المكتبة من الإسكندرية،وليس ذلك جشعا أو حسدا أو تعصبا مني ؛وإنما ذلك لأن الباحثين بها أكثر عددا، فضلا عن أن القاهرة بها أكبر عدد من الجامعات كما هو معروف؛ لكن صديقي الإسكندراني أقنعني بقوة منطقه وشراسة أدلته اللاذعة بأن مكان المكتبة هنا أفضل وأشرف وآمن؛ لأنها لو أنشئت في القاهرة وأديرت بالفكر المكتباتي القاهري البالي لتحولت – واللفظ له- إلى مشخخة أو مخرأة على الطريق العام !! .

دلفت إلى المكتبة ورحت أبحث عن بعض الكتب التي أحتاجها بشدة في بحثي؛ لأصور بعض فصولها، فوجدت معظم الكتب غير موجودة على الأرفف، وذلك ليس لأنها سرقت أو نهبت – كلا وحاشا- ولكن لأنهم يصورونها فيما يعرف بالتصوير الديجيتال، من أجل رفعها على المكتبة الرقمية، وما يتم سحبه من الكتب إلى هناك لا يعود إلى مكانه على الأرفف إلا بعد حين، ومشروع المكتبة الرقمية – والحق يقال- مشروع عظيم ومفيد وهو مما يحسب لهذه المكتبة الرائعة، وهذا في الحقيقة ما هوَّن علي الغصَّة التي وجدتها في حلقي. وقد عثرت على كتيبين صغيرين أردت تصويرهما، ولمن لا يعرف: لا يتم هناك تصوير الكتاب كاملا بحجة الحفاظ على حقوق المؤلفين- وهذه عدوى أصيبت بها المكتبة من دار الكتب المصرية وسائر المكتبات الكلاسيكية- ولكن من رحمة الله أن مكتبة الإسكندرية بها طابقان للتصوير، فما عليك إلا أن تصور جزءا هنا وجزءا هناك ليجتمع لك تصوير الكتاب كله، والموظفون هناك يعلمون بذلك بل يرشدون الباحثين إلى هذه الطريقة الالتفافية الدورانية، لأن القانون الذي فرض ذلك قانون غبي غشيم عبيط بشهادة الكافة، وقد قام صديقي بتصوير جزأين من الكتاب وبقي جزء ثالث، فأخذتُ الكتاب لأصورالباقي بدلا منه حتى لا يفطن الموظفون إلى أن هذا الكتاب صُوِّرعندهم من قبل، ولكني فطنت من الوهلة الأولى إلى أن هذا الكتاب لن يصور؛ لأن الموظفين الذين رأيتهم هذه المرة مختلفون عمن كنت أراهم في كل مرة،إذ يبدو عليهم أثر الجوع والكدح وشيْ من الفاقة وأشياء أخرى، أخذوا الكتاب وجلست طويلا في انتظاره، ولما ذهبت للاستفسار عنه قالوا لي : لن نصور هذا الكتاب. قلت : لمه؟ قالوا : لأنه صُور من قبل !! قلت: من أين علمتم؟ .. والله ما جئتكم به من قبل ولا صورت بنفسي شيئا منه – وأنا صادق والله كما تعلمون- . فقالوا: لقد جاء الكتاب هنا من قبل . قلت لهم : جاء جاء.. وما ذنبي أنا ؟ إن كان غيري صوره، فما المشكلة في أن أصوره أنا أيضا ؟. هل هناك قانون في المكتبة يقضي بأن الكتاب يُصور مرة واحدة فقط لزبون واحد فقط في اليوم؟ ، فقالوا كذبا وافتراء: نعم، ولما أخبرتهم أني باحث معيد لا غرض لي في تصوير الكتاب إلا خدمة بحثي، وأني قد أتيت من القاهرة خصيصا من أجل هذا الكتاب، فكيف أعود بلا شيء؟ فقالوا: اذهب وصوره في الطابق الأعلى. قلت إذن أنتم مقرون بعدم جدوى هذا القانون، وتلتفون حوله فلم لا تصورون لي وتكسبون ثوابا عظيما؟ لكنْ أخبرُونِي أليس من الممكن أن أصور نصف الكتاب اليوم بهذه الطريقة؟ قالوا: بلى قلت : أيمكنني أن آتي غدا وأصور باقيه قالوا : نعم. قلت أليس هذا ما يفعله جميع الباحثين؟ قالوا: بلى قلت : إذن كيف سيحمي هذا القانون الأخرق الأحمق الأرعن الأهبل الأهطل حقوق المؤلفين المزعومة؟ ألسنا نخادع أنفسنا ونهدر أوقاتنا وندور في حلقة مفرغة؟.. ولم أنتظر جوابهم وانصرفت غاضبا، ولكن صديقي الهمام برطم ببضع كلمات وقال لي: أنت عبيط جدا.. قلت : لمه ؟ قال : كان يمكنك أن تصر على التصوير ولو أصروا تطلب منهم مقابلة مدير المكتبة- وهذا يرعبهم- وتقول له: إنهم يمتنعون عن التصوير لي وأنا قادم من القاهرة،وذلك بحجة أني صورت هذا الكتاب من قبل، وأنا لم أصوره وليأتوا بدليلهم على ما قالوا إن كانوا صادقين. قلت: يا لها من فكرة خبيثة مارقة، سأفعلها في المرة القادمة إن شاء الله !!!

وفي آخر النهار قررت العودة إلى القاهرة بمحصولي الضئيل من المكتبتين، وأصررت على ألا أركب الميكروباصات اللعينة، ولجأت إلى الأتوبيس المكيف، فإن الأتوبيس كما زعم غير واحد أكثر راحة، وأقل تكلفة –إذ سيوفر لي من ثلاثة جنيهات إلى خمس- ووقفت على شباك التذاكر نصف ساعة أنا وصديقي لنحجز، وكان دون الحجز ضرب النعال والقباقيب، وقد اشتبك صديقي فجأة مع رجل ثرثارأرعن أراد أن يزيحه بالقوة عن الشباك، وقد تم الحجز بحمد الله وصعدت إلى الأتوبيس المكيف مودعا صديقي، وانطلق الأتوبيس بي، وبعد عشر دقائق من سيره توقف تكييفه تماما، وليس هناك منفذ للهواء فهبط السائق ومعاونه وفتحوا الباب الخلفي ليُدخل لنا الهواء، فقامت انتفاضة كبيرة بالأتوبيس، وانطلقت ألفاظ نابية أخذت بتلابيب السائق وامتدت أكف، وأرجل، وسمعنا شخرا وبصقا وضراطا . وقال الركاب له: عد بنا إلى المحطة فورا، فقال مهدئا لهم : هذا لا يصح يا جماعة ستتأخرون كثيرا، كما أن هذه التذكرة لا ترد، ووعدهم بأنه سيتوقف في جراج كفر الدوار ليصلح التكييف، وتوقف الأتوبيس هناك حوالي ثلاثة أرباع الساعة، وتم إصلاحه في دقيقتين، ثم انطلقنا ووصلنا بحمد الله إلى القاهرة بعد أربع ساعات ونصف من انطلاقنا. يتبع.

الأربعاء، أغسطس ٢٧، ٢٠٠٨

يوميــات باحث عبيـــط - الثانية




وعند بوابة كلية الآداب، رغم أنه لا توجد مناسبة معينة أو اضطرابات ما؛ فقد واجهني عدد لا قبل لي به من المخبرين والعسكريين والبصاصين والخباصين، ، طلب أحدهم إبراز البطاقة الشخصية وظل يحملق فيها ويقلبها ذات اليمين وذات الشمال،ومال آخر إلى أذني متسائلا في خبث: لماذا أتيت من القاهرة إلى الإسكندرية؟ وجذب ثالث حقيبة يدي ودفن رأسه فيها، ثم طلب مني أن أتركها هنا وعندما أنهي مهمتي بسلام أتسلمها، وكاد رابع غشيم أن يفعل شيئا ما لكن شخصا آخر- يبدو من حجم رأسه أنه زعيمه- زجره ونهاه بعينه؛ لأن إجراء التفتيش الذاتي لا يكون في مثل هذه الأماكن العامة المفتوحة – والله أعلم- ... المهم أني عبرت البوابة بسلام، فحمدت الله على النجاة، وقد ألهمني الله بعض الأدعية التي تقال عند اشتداد الأمور، وطلب دفع الشر وقضاء الحاجة، ثم دخلت المكتبة، ولم يستقبلني أحد فثمة ثلاث سيدات نائمات على الموائد وعلى مبعدة منهن رأيت أكواما كبيرة من الكتب على هيئة الهرم ممزقة ومشوهة، وتنبعث منها روائح تذكربصناديق القمامة، والمكان غير مهندم ولا مرتب على الإطلاق. ظل النسوة النائمات يتحادثن ويثرثرن بصوت مرتفع، ولم ينتبهن لوجودي،إلا عندما تنحنحت، وفجأة مثل أمامي موظف لا أدري من أين نبت، قال: خير؟ قلت: أريد أن أطلع على رسالة ماجستير و مقالة بمجلة كذا وذكرت بياناتهما قال: لا بد من أن تدفع عشرة جنيهات أولاً قبل الاطلاع؛ حيث إن هناك لوائح جديدة اخُترعت في هذه الأيام المباركة السوداء تلزم كل باحث أن يدفع هذه الإتاوة قبل الاطلاع، قلت لعل ما سأطلع عليه يكون بلا قيمة أو لا يفيدني. قال: لا بد من الدفع. فدفعت بالتي هي أحسن عشرة الجنيهات المطلوبة، وانتظرت أن يأتيني أحد بطلبتي، فجاءتني امرأة أحسبها موظفة- وما أكثر الموظفين والموظفات في هذا المكان- وسرت خلفها حتى أوصلتني إلى المخزن وهو في البدروم، وقالت: ابحث هنا وعندما تعثر على بغيتك أخبرني. وتركتني وحيدا وانصرفت لتكمل نومها. وكان المخزن قبيحا دميما غير منسق والكتب تفوح منها رائحة كريهة ورطوبة وعطونة لا مثيل لها إلا في المقابر، إذ لا توجد منافذ أو تهوية أو شيء من هذا القبيل، وظللت أبحث وأنقر حتى أدركني اليأس؛ فالمجلات على كثرة أعدادها غير منسقة ولا مرتبة، والأعداد مبعثرة في كل مكان - يبدو أن المكتبة لم تسمع بعد باختراع الفهرسة أو الحوسبة - ولكني وضعت يدي على عدد فإذا به هو، وخرجت بعد قرابة نصف الساعة منهك القوى ومبلل الثياب - من شدة العرق- سعيدا لحصولي على مرادي بعد كد وعناء. وصعدت بنفسي إلى الدور الثالث لادفع الإتاوة- قيل إن هذه الإتاوة تُجمع من أجل تحسين الخدمات في المكتبات هكذا أرجف غير مرجف في الجامعة- ودخلت متعجلا حماما في آخر الطرقة، وكأني أسمع جلبة في الخارج فقلت أقضي حاجتي أولاً، ولكني فوجئت أن المياه منقطعة فخرجت على الفور فوجدت امرأة منفعلة تصيح وتضرب كفا بكف، وتخبرني أن هذا حمام خاص بالسيدات لا يصح لي دخوله، فاعتذرت لها بشدة وحمدت الله أني لم اقض حاجتي ولكني نظرت إلى باب الحمام لأتحقق كيف أنه فاتني النظر إلى اللافتة، الغريب أنني لم اجد لافتة أو إشارة أو تنبيها أو ورقة مختومة بشعار النسر الشريف تقول إن هذا الحمام خاص بالسيدات!!. هبطت مرة أخرى إلى الدور الأول وطلبت تصوير المقالة التي صُورت بعد ساعة من الزمن أو يزيد رغم عدم وجود زبائن، وذلك بثلاثة جنيهات فقط لا غير، وأما الرسالة فقد اطلعت عليها فوجدتها لا تسمن ولا تغني من جوع كالعهد برسائلنا العلمية في هذا الزمان الذي تلفق فيه الرسائل تلفيقا، وحمدت الله على ذلك؛ لأن الموظف – لا فض فوه- أنبأني أن تصوير الرسائل هنا ممنوع منعا باتا، لكن صديقا خبيثا نجسا يشهد له الكثيرون بالكفاءة العلمية قال لي - فيما بعد-: إنني عبيط لأنني لو أبرزت لأنجزت وقضيت حاجتي بخمسة جنيهات فقط، وقد جلست قليلا لأتصفح المقالة الجليلة التي شددت إليها الرحال، ودفعت من أجلها وحدها- 13 جنيها- هذا غير أجرة مواصلات الذهاب والإياب التي تعرفونها- فوجدتها غير ذات قيمة، والكلام فيها مجرد تحصيل حاصل كما يقولون، وخرجت من المكتبة سعيدا مسرورا ميمما وجهي شطر مكتبة الإسكندرية حفظها الله .

الثلاثاء، أغسطس ٢٦، ٢٠٠٨

يوميــات باحـث عبيـــط - الأولى





ضبطت المنبه الأرعن بعد أن ركلته ركلتين، ولكمته لكمتين، كي أستيقظ بعد ساعة ونصف، وبالفعل استيقظت وصليت الفجر وأنا شبه نائم ، حتى إني في دعاء الاستفتاح ضبطت نفسي متلبسا وأنا أقول : ( اللهم بك وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت روحي فارحمها وإن أرسلتها....) وهنا انتبهت وتذكرت أني في الصلاة ولست في الفراش فكبَّرت من جديد، وبعد الصلاة غسلت عيني المنتفختين المتوهجتين بماء مثلج جدا لعلي أفيق، جهزت حقيبتي العتيقة وذهبت إلى محطة رمسيس، انتظرت أحد الميكروباصات الذاهبة إلى الإسكندرية من الطريق الصحراوي، وكان نصحني صديق أن أركب الأتوبيس أو القطار فهما أفضل وأرخص، قلت له : إني أفضل السفر السريع حتى أستطيع أن الإفادة من يومي خاصة أني أعود في اليوم نفسه، ثم إن الأتوبيس غير آمن فقد احترق منذ يومين الأتوبيس الذي كان يستقله صديقي سالف الذكر واشتعلت النار في مؤخرته، وراح يطفئ النار مع المطفئين من ماء الترعة المجاورة،فكانت النار تزيد اشتعالا. وأما القطار فحدث عن حرائقه ولا حرج ،وأما الموت على الطريق الصحراوي فهو موت آمن ومريح، ركبت السيارة وتأكدت من السائق أن الأجرة عشرون جنيها فقط، ركبتها وليتني ما ركبت، فالسيارة ضيقة وغير مريحة ولا مكيفة، والسائق صاحب مزاج وسخ بدأ يومه بالاستماع إلى أغان هي أشبه بعواء الذئاب أو اصطراخ الخرس لا أدري بالتحديد، والعجيب أن السماعات في سيارته كانت تفوق – والله العظيم – قوة أقوى (دي جي) على ظهر الأرض، وكادت تصم الآذان، ولم يفهم احد كلمة مما يقال في الأغاني، وكان السائق مع ذلك يهز رقبته الغليظة في بلاهة ونشوة، والناس قد أصابهم دوار شديد، وبلغ بهم الكرب والغيظ مبلغا عظيما، ولم يجرؤ أحد أن يحادثه بشأن الصوت، وقد تألمت ركبتاي وتورمت أصابع القدم وأكل وجهي الذباب، وآلمتني البواسير، فلعنت في سري السائق ومن علمه قيادة السيارات، ثم انفجرت فيه بعد ساعة وقلت له: أغلق هذا الزفت وارحمنا أرجوك، فنظر إلي شزرا، وراح يهز رقبته الغليظة، وخفَّض من الصوت قليلا ثم أعاده بعد قليل ولا حياة لمن تنادي، ولما ولجنا مدخل الإسكندرية طلب السائق الأرعن منا جمع الأجرة وهي اثنان وعشرون جنيها لا تنقص تعريفة، ولما اعترض البعض عليه أقسم بتربة أمه أنه قال قبل الطلوع إنها اثنان وعشرون وكل عام وأنتم بخير، دفعت المبلغ المطلوب على مضض وأنا ألعنه في سري وألعن من رفع أسعار الوقود لعنا كبيرا. نزلت تحملني قدماي بصعوبة بالغة وسرت بخطو متعرج نحو مكتبة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية العريقة . يتبع



فزورة

معيد كحيان. عزب غلبان. مرتبه 700 جنيه. يركب مواصلات بـ 150 ويشتري كل شهر كتبا ويصور أوراقابـ150 وأحيانا يقتله الجوع - وهو المتقشف- فيأكل في الشارع وجبة كشري أو ساندوتش فول بالمازوت بـ50 جنيها في الشهر،ويشحن الموبايل ويدفع فاتورة النت بـ 120 شهريا ويقطن في شقة مشتركة يقع عليه من إيجارها 100جنيه، ويأكل ويشرب في الشهر بـ 150 جنيها، وهذا المعيد الخبيث اللئيم الرجيم الــ... يفكر في الزواج والارتباط خاصة أن سنه قد كبرت واشتعل الرأس منه شيبا!!!! كم ينفق هذا المعيد- بصرف النظر عما ينفقه في شراء الملابس التي قيل إنها يجب أن تكون حسنة- ؟ وكم يتبقى من راتبه؟ وكم يحتاج هذا الــ... لكي يتزوج ؟

بسم الله


هذه مدونة جديــده. كاتبها على الحديــده. يبث فيها همومــه. لئلا يشق هدومــه.

يقرأها كل كحيــان. يعاني رداءة الزمــان. ومن لا يروم التعليــق فعليه بالتلفيــق .
والله الموفق