الجمعة، يونيو ٢٦، ٢٠٠٩

خرافات خيالية من كوكب ك

الخرافة الأولى : السدادة الأخرى

العم "خ"رجل في الخمسين من عمره، مسالم جدًّا ، يُحرِّم على أهل بيته الاستماع إلى نشرات الأخبار، ومشاهدة بعض أفلام الكرتون التي يستشعر بفراسته التي لا تخيب أن الخراب يقف وراءها، ويحرم عليهم اقتناء أي نوع من الصحف، ويتقي الله في لسانه ولسانهم؛ لأنه يعلم أنه يورد المهالك، ويضع في أذنيه سدادت طوال الوقت حتى ظن الناس أن به صممًا

ركب العم "خ" في الصباح الباكر حافلة متهالكة حتى يصل إلى عمله، وقد جلس إلى جواره مواطن شديد النحافة كأنما خرج من القبر توًّا، راح هذا المواطن يتصفح جريدة ساخطة اسمها (لا) في صفحتها الأولى عنوانٌ بارزٌ يشير إلى محاولة اغتيال فاشلة لزعيم كوكب "ح" الشقيق، قام فيها متمردون بزرع أطنان من المتفجرات في دورة المياه الخاصة به. غض عم "خ" بصره ..وتفل عن يساره واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ..حول بصره إلى الأمام، ففوجئ أمامه بجريدة أخرى اسمها (نعم) يقرأها راكب آخر في صفحتها الأولى صورة مكبرة لزعيم كوكبه يبدو عليه الغضب الشديد وهو يزمجر ويتوعد بتتبع المجرمين الذين حاولوا اغتيال أخيه زعيم كوكب "ح" والقضاء عليهم. ارتعد العم "خ" من منظر عيني زعيمه الناريتين اللتين تكادان تخترقان الجريدة واصطكت أسنانه بشدة؛ فهو يهاب النظر إليهما منذ أن كان طفلاً في السادسة، ثم راح يدعو طويلاً لزعيمه بالصحة وطول العمر. وصلت الحافلة وظل العم "خ" مضطربًا في عمله طوال اليوم لا يدري سببًا لذلك، حتى عاد إلى بيته مرهقًا متوعكًا، وما إن وضع رأسه على الوسادة، حتى راح في سبات عميق..تصبب جبينه عرقًا ..تواردت عليه رؤى وكوابيس لا حصر لها، استيقظ في الصباح الباكر لا يتذكر شيئًا منها إلا كابوسًا واحدًا كان ألح عليه، فقصه على زوجته همسًا من ***************************************الخوف والفرق

في منتصف الليل طرق شخص الباب على استحياء طرقات خفيفة، فقام العم خ ليفتحه، فوجد رجلاً ضخمًا مريبًا متلفعًا بالسواد، يأمره أن يحضر حافظة نقوده وسكين المطبخ وصورتين للمرحوم أبيه، وأن يتبعه إلى الجهاز، فامتثل العم للأمر، وهناك راحوا يقيمونه ويجلسونه على خازوق ضخم مدهون بالمازوت، آمرين إياه أن يدلي بتفصيلات خطته التي كان يدبرها لاغتيال زعيم كوكبه، فدهش العم خ وأغشي عليه من هول الصدمة والمفاجأة، فأيقظوه بهزتين عنيفتين للخازوق من تحته، فأفاق ثم أغشي عليه أخرى، وبعد تعذيب دام عشر ليال تحقق المحققون والأطباء والخبراء النفسيون والمخبرون أن خطة الاغتيال هذه ليست سوى حلم راود العم خ في منامه بأثر الأخبار التي اطلع عليها صباح ذلك اليوم، سكت المحقق هنيهة، ثم أمر المخبرين بإخراج الخازوق المدمى..وأجلس العم بجواره، وربت كتفه وأثنى عليه بكلمات طيبات، بل أمر العسكري بإحضار كوب ليمون له حتى تهدأ أعصابه الخائرة، ثم دنا المحقق جدًّا من أذن عم خ اليسرى فوجد بها سدادة، نزعها بشدة متعجبًا، ثم راح يهمس فيها بصوت أشبه بالفحيح متسائلاً : من الأشخاص الذين شاركوك ***********خطة الاغتيال في الحلم؟ أنبئني بأسمائهم.. أوصافهم..عناوينهم.. هيا

سُقط في يده، وأقسم بحياة رئيس الكوكب أنهم أشخاص وهميون لا يعرفهم، ولا هو رآهم في الحقيقة، هم محض خيال وزوار أحلام ،ولكي يقرب أوصافهم للمحقق شبَّه أحدهم بالعم "ز" بائع البطاطا، وشبه الآخر بأم عربي المرأة الكسيحة التي تبيع الجرجير والفجل أمام منزله، فأمر المحقق بإحضار هذين الشخصين على الفور، ووضْعهما على خوازيق مماثلة، ولكنَّ التعذيب لم يسفر عن شيء سوى مصرعهما. لاقى العم "خ" بعدهما تعذيبًا أشد وأنكى، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة نُزعت المهابة من قلبه، فتشجع وطلب من المحقق أن يجيبه عن سؤالٍ واحد قبل أن يلقى ربه فقال له المحقق: تفضل. قال العم : من أين علمتم بالحلم اللعين الذي رأيته ؟ هل زوجتي الخائنة هي من أخبركم؟ قهقه المحقق وكشف عن أسنان عريضة كالحة وقال: أتعرف القلة القديمة المكسورة التي تضعونها في زكيبة الكراكيب أسفل السرير .. لقد وضعنا لك فيها جهاز تنصت دقيقًا جدًّا يرصد السر وأخفى !! هنا شعر العم خ أن خازوقًا طويلاً قد أشرف على الخروج من فمه، فجحظت عيناه و تصلب جسده، ، ثم خمدت روحه ، وما زالت في أذنه اليمنى سدادة أخرى************************************


تنبيه : هذه أقصوصة خرافية من مجموعة أقاصيص لم تتم نرجو أن نواصل نشرها في التدوينات القادمة

الأحد، يونيو ٢١، ٢٠٠٩

خربانستان


في البدء كانت حمارة عجفاء تهرول في البراري وتنهق نهيقا منكرًا حتى أخذها النُهاق، تبغي السفاد والمعاشرة، فلم يجبها إلا خنزير أجرب نزا عليها وأفرغ ماءه فأدركه النوم ولم ينزل عنها إلا بعد يومين. وظلت تهرول وتنهق حتى أدركها ذئب خبيث أشيب نزا عليها فعقدت عليه ولم تفلته إلا بعد أن أودع رحمها نطفة قذرة. وظلت تنهق حتى أفحشت في النهيق فصك صراخها آذان إبليس بجلالة قدره، فدهمها وركبها وصب في رحمها ما شاء من لهيب نطفه حتى تكور بطنها واشتد جلدها.
**
وبعد عام أو عامين جاءها المخاض وأخذها الطلق فوضعت من عجائب المخلوقات ثلاثة: مخلوق له أذنان كبيرتان تقفان على قدم صغيرة بلا سيقان وله عين فجة ترى كل الأنحاء من جهة واحدة في آن واحد. ومخلوق آخر بلا قلب، إن هو إلا يد ضخمة شائهة تنبثق من كرش شاهق يستند إلى مؤخرة معوجة. ومخلوق ثالث هو رأس ضخم أبله يلحقه سوأة لا يسدها إلا التراب يبدو أنه لأنثى. ولفظت الحمارة أنفاسها الأخيرة وتركت أيتامها الثلاثة في العراء بلا راع ولا أنيس، فرقّت لهم كلبة نزقة من شرار الكلاب وتعطفت عليهم وأرضعتهم من لبنها حتى اشتدت أعوادهم ونهضوا لالتقاط أرزاقهم .

نكح الأول أخته البلهاء ذات الرأس وأنسلها سلالة نادرة، منها الشرفاء من البصاصين والخباصين الذين يجسون الجدران ويسمعون دبة النملة وتنهيدة البقة وعذاب أهل القبور، ومنها صنف خسيس غير شريف يقال لهم : الجواسيس. وأما الثاني فقد نكح البلهاء وأغزر في نسله وبورك له فيه، فكان من نسله سلالات وسلالات منها سلالة يقال لهم: أصحاب اليد الطويلة وأخرى من الأشراف يقال لهم: القحاب وثالثة هي من أشرف السلالات جميعا ***************************** وأكثرها بركة يقال لها: الرؤوس



وتداخلت السلالات والأنساب وتكاثرت وملأت البقاع والأباطح وآل الأمر للرؤوس لا ينازعهم فيه منازع واستعانوا في إدارتهم ببني عمومتهم وبني أخوالهم من بني يدٍ وبني أذنٍ وأصهارهم من القحاب ومن يجاورونهم. وما أداروا حربا إلا انتصروا فيها وما أعدوا لمجاعة عدة إلا قهروها بالصبر وحسن التخطيط والإيمان الذي يعمر القلوب، وبرعوا في الخطابة حتى ضرب بهم المثل فقيل : أخطب من بني الرؤوس، وتفننوا في بناء المقابر وهندستها وزخرفتها حتى طبقت شهرتهم الآفاق ،ووفد إليهم السائحون والدائنون ومدمنو النارجيلة وقافزو الحبال والسحرة والمشخصون ومقزقزو اللب ولاعبو السيجة وماضغو المدغة والعلك وباعة الأطفال والترمس والحرنكش وأم الخلول وباعة الشرف من كل حدب وصوب ليشهدوا منافع لهم وينهلوا من حضارتهم العريقة وينقلوا عنهم الفنون والعلوم والآداب. وعلى ذا قامت حضارة خربانستان .