الثلاثاء، سبتمبر ٢٢، ٢٠٠٩

أطفالنا .. وسارق البصل

بداية لا أدري ما الذي دفعني إلى الكتابة في هذا ( اللاموضوع).. فهو يلح علي دماغي الموجوع بشدة من زمن؛ لعل الذي دفعني إلى ذلك هو النظر في مناهج التعليم الأساسي وما يجري فيها من تطوير مريب، ولعل ما جعل الأمر يطفو ويلح عليَّ أكثر سعي وزارة التربية مؤخرا إلى صناعة الكتاب المدرسي من ألفه إلى يائه في بعض الدول الغربية. لعله أيضا النظر المريب – وأنا من أنصار نظرية المؤامرة- في محتوى بعض الأفلام الكارتونية وغير الكارتونية المقدمة لأطفالنا التي تبدو بريئة تهدف إلى الرفاهة والتسلية. وكذلك محتوى بعض سلاسل القصص والكتب الجميلة الرائعة التي أهديت في السنوات الأخيرة لأطفالنا خصيصا بعد 11 سبتمبر من أمريكا، كل تلك التعليلات في الحقيقة شغلت رأسي ودوختني وجعلتني مشتتا مبلبلا؛ لكن الطريف أن ثمة قصة أطفال كنت قرأتها وأنا صغير -رغم نسياني لمئات القصص التي قرأتها- ظهرت على السطح فجأة تراودني كثيرا هذه الأيام ولا تفارق مخيلتي أتذكرها وأتأملها وأنقد محتواها في نفسي. كان عنوانها (( سارق البصل)) .


والقصة بحسب ما أتذكره منها تدور حول رجل ريفي تحين وقت القيلولة في الصيف القائظ والناس مختفين في بيوتهم كي يلج أحد الحقول، ويسرق منه ثلاثين حزمة من البصل الأخضر. وبينما هو يهرب بها إذ رآه رجل مار من أصحاب الحقل فجرى وراءه وصاح صيحات متوالية حتى ينتبه الناس له ويعاونوه في القبض على ذلك اللص، واستطاع الناس اللحاق به والقبض عليه وتسليمه إلى عمدة القرية ليرى فيه رأيه ويحكم عليه حكما يناسب فعلته الشنعاء، واحتشد أهل القرية جميعا أمام دار العمدة واللص مقيد ينتظر أن ينطق العمدة بالحكم عليه، فما كان من العمدة إلا أن خير اللص بين ثلاثة أنواع من العقاب: إما أن يسجن ثلاثة أشهر – على ما أتذكر- وإما أن يجلد عددا كبيرا من الجلد لا أتذكره، وإما أن يأكل في الحال كل البصل الذي سرقه، فارتضى اللص أكل البصل فشرع فيه ولأن البصل كان حارا لم يستطع أن يتم أكل ثلاث بصلات فقد اغرورقت عيناه بالدموع وسال أنفه وأصابه السعال، ورأى أن يترك هذا الخيار إلى خيار الجلد فهو أهون وأيسر، وشرع العمدة في جلده وعند الجلدة العشرين لم يقو اللص على تحمل الآلام وطلب من العمدة أن يعاقبه بالحبس، وبالفعل حبسه العمدة فاستحق اللص الأنواع الثلاثة من العقاب جراء جشعه وطمعه وهنا تنتهي القصة الطريفة التي راقتني صغيرًا وأزعجتني كبيرا فهل يدري أحد من القراء لم تلح علي هذه القصة بشدة الآن ؟ وما العيب في القصة ؟ ألا تحمل مضامين تربوية جيدة تكشف عن أن السرقة ذميمة وأن العقاب بالمرصاد وأن الجشع يجلب على الإنسان البلاء كله أليس كذلك ؟ .