الجمعة، نوفمبر ٢١، ٢٠٠٨

الكحيان ... وواقعنا المتكوس

الكوسة .. من الخضراوات القديمة جدا جدا في مصر، ومصر لم تجلبها أو تستوردها من أي بلاد أخرى، فمصر منبع الكوسة وموطنها الأصلي كما ذكرت المصادر غير الموثوق فيها . ومصر أم الدنيا – ولا أدري من أبوها - هي التي عرَّفت العالم ماذا تعني الكوسة؟ وكيف تزرع؟ وكيف تؤكل؟ وأرشدت الناس إلى 70 فائدة في الكوسة، وقد أضاف مؤخرًا أحد العلماء الكحيانين إلى تلك الفوائد ثلاثين فائدة جليلة، فحصل من أجل ذلك على جائزة أصابع (المحشي) الذهبية ولكنه مات-رحمه الله- في أثناء تناول الطعام في حفل عشاء أقيم على شرف لجنة الجائزة؛ إذ شاءت الأقدار أن ينحشر إصبع من (المحشي) في زوره، ولقد فشل أطباء المصلحة _كعادتهم_ في إسعافه ونجدته فشلا ذريعًا مريعًا. وممن شاهدوا الكوسة قديما في مصر المرحوم عبد اللطيف البغدادي المتوفى في (629هـ) أي منذ 800 سنة تقريبا، وهو يعتبر أول طبيب يكتشف مرض السكر، كان الرجل يبحث بجد واجتهاد عن علاج لهذا المرض اللعين ، ولست أدرى ما العلاقة بين كلامه عن الكوسة وبحثه عن دواء للسكر؟ فهل الكوسة تجلب السكر؟ أم أنها تطرد السكر؟.. ربما أراد عمنا البغدادي أن يستخدمها في علاج مرض السكر والضغط والمناخوليا والفشل العقلي وتسليك المسالك، فاكتشف بعد تجريب طويل أنها لا تصلح إلا في تسليك المسالك فقط، وأنه لو تم خلطها مع الباذنجان لفكت النحس القابع، وحلت المربوط وربطت السائب وتثبت أرجل الكرسي المهزوز أفضل من أي غراء أو مسامير. ورغم أن الكوسة من أشهر الخضراوات في مصر التي تزرع على مدار العام تقريبا وفي مساحات كبيرة جدا ؛ فإن أسعارها الآن لا تسر عدوا ولا حبيبا.. ويعتبرها الكحيانون من الفواكه النادرة التي توجد في منازل طبقة "أصحاب الدخل" أو"محاظيظ الدخل" وربما توجد منها ثمرة أو ثمرتان في منزل أحد اللصوص - وهم من ينتمون إلى طبقة محدودي الدخل- . ولقد تقدم بعض ترزية القوانين والنواب منذ أشهر بمشروع مهم للمجلس المحروق يطالبون فيه بضرورة تغيير شعار خاتم الجمهورية وتبديل صورة النسر الكحيان الدبلان الذي لا ينوي التحليق أوالطيران ووضع صورة لثمرة كوسة عفية وناضجة ، لأن هذا سيعيد للأمة كرامتها ومجدها وشرفها ببركة الكوسة، وهو خير من بناء الكباري وشفط المجاري، لكن المجلس المحروق أجَّل النظر في المشروع فاحترق المجلس، والتهمت النيران المشروع، وقيل إن المجلس حرق بفعل فاعل - لعله البنتاجون أو الموساد- من أجل الحصول على وثيقة المشروع !!
الغريب أن الكحيان أفندي سمع بأذنه التي ستأكلها الصراصير والخنافس في مؤتمر دولي أحد الخبراء المجانين يزعم أن الكوسة في مصر نوعان: كوسة إسكندراني، وكوسة بلدي وراح الخبير يخرف و يهرطق بكلام ما أنزل الله به من سلطان فيه تدليس وافتراء. هنا زمجر الكحيان وارتعشت ساقه وفارت كرات الدم الزرقاء في جثته، فكح ونف في كمه، وطلب الكلمة في المؤتمر ليرد على تلك الافتراءات الخبيثة التي تنطق باسم العلم لتخدم الأغراض الإمبريالية وتحقق أهداف سيدي المحظوظ وزبانيته اللئام ، فقال الكحيان : أيها السادة. اخلعوا البيادة. وافرشوا السجادة. من ادعى أن الكوسة نوعان فقد افترى. ومن قال إنها بنت خالة الباذنجان فقد هذى. الحق أن للكوسة أنواعًا لا تنحصر.. للكوسة ياسادة حضور قوي ينتظم حياتنا كلها فهناك – فضلا عن كوسة وزارة الكوسة اليوسفية – كوسة التوظيف والمحسوبية. وكوسة الانتخابات والصناديق الزجاجية. وكوسة القروض وتسريب اللحوم المجنونة التي أصابها الهبل. والفراخ المزكومة الدائخة التي أدركها الخبل. والقمح المخلوط بالتراب والدشيشة والألبان المشعة والمبيدات المسرطنة التي تسربت بالكوسة وإلى الكوسة ، وكوسة تراخيص البناء القاتلة وكوسة تبرئة القتلة من تهمة القتل من أجل إعمار مصر..

العجيب أن الكحيان أكد بأدلة علمية مشكوك فيها أن هناك علاقة وطيدة بين نبات الكوسة ( squash ) الذي نرى رأسه متجهة إلى تحت ومؤخرته متجهة إلى فوق، وبين استعمال كلمة ( الكوسة) بمعنى : الفساد والرشوة والتسيب، وتلقيح الجثث، واللجوء إلى الوساطة... فقد لاحظ في معاجم اللغة أن مادة ( ك.و.س) تدور كلها حول الفساد بمفهومه ومعناه الواسع فإن (الكوس) هو الغرق . والتكاوس : هو التراكم والتزاحم ، ويقال: كاس الإنسان إذا مشى على رجل واحدة ( وذلك مشي فاسد ) وكاس في البيع : نقص الثمن. وكوَّسه : أي قلبه وجعل أعلاه أسفله . ومما يروى في التراث العربي أن الحجاج بن يوسف قال: (( ما ندمت على شيء ندمي ألا أكون قتلت ابن عمر. فقال عبد الله : أما والله لو فعلت ذلك لكوَّسك الله في النار رأسك أسفلك ...)).وقد ربط الكحيان بين تلك المعاني جميعا وقال: إن قبيلته من الكحيانين لا تستعمل كلمة كوسة خبط عشواء ولا اعتباطا بل تستعملها بوعي وعن قصد، وبدقة لتعبر عن واقعها المتكوس المتحوس الذي تعفن وتعطن وسرح فيه الدود والسوس والبق .

وأنا بصفتي أحد الخبراء الاستراتيجيين في التكاوس المحلي وبصفتي كبير الكحيانين أقترح بناء على ما يعرف بالقرض اللغوي أن تقوم حكومات الشعوب الكحيانة بإقراض أمريكا وما يسمى بإسرائيل هذا المصطلح- بالفائدة المركبة طبعا- وتصديره إليهم فما أحوجهم إليه وما أحوج العالم الغربي قاطبة إليه حتى يتقنوا فن الكيل بمكيالين على أصوله . وإن هذا المصطلح سيكون لهم في غاية النفع والفائدة ، فهو مجرب وفيه الشفاء من سائر الأدواء، ولكن لا يتم هذا القرض إلا بعد أن تتخذ الحكومة الضمانات اللازمة ، ويتم تسجيل حقوق الملكية الكوسية وبراءة الاختراع كيلا يتلكأ اليهود كعادتهم فيدعون ملكية المصطلح بحجة أن معجمهم العتيق فيه كلمة ( كُوس) – وهي بمعنى كأس، وذلك كما زعموا من قبل أن الطعمية أكلة شعبية يهودية وأن الرقص الشرقي كذلك ابتكار يهودي – حدث هذا في أمريكا - وكما ادعوا من قبل أنهم هم الذين بنوا الاهرامات.
وأخيرا أختتم الكلام بقول القائل :

مصر يابلد العجايب فيك حاجة محيراني

نزرع القمح في سنين تطلع الكوسة في ثواني .