أيقن "فَيْشَلَة" المعظم أنه قادر بحق .. فهو الآن ملك البِيد والعبيد بلا منازع .. الكلُّ طوع بنانه: الجن والإنس والشجر والدواب .. لا يجرؤ صعلوك على مخالفة أمره .. يأتيه رزق الناس رغدا من كل مكان : من إتاوات الملوك، وقطع الطريق وثلثي أرزاق أهل الكدية والضرائب وغير ذلك .. فقط قبيلة " بني كنانة" الكبيرة هي التي تنغص عليه حياته تقف له كاللقمة في الزور؛ إذ إن لها جيشا عرمرما، ورجالا أشداء لا يردُّهم رادٌّ متى أُرِيدُوا بسوء .
فكر " فيشلة" مليًّا في حيلة ينفذ بها إلى بني كنانة؛ ليقضي عليهم، وينعم بخيراتهم وظلالهم الوارفة ونسائهم البيض الفاتنات .. هداه تفكيره إلى فكرة إبليسية ما إن التمعت بذهنه حتى صاح صيحة هائلة، فالتف حوله رجاله وخلصاؤه في الحال فاجتمع بهم وقال لهم : لقد تفتق ذهننا عن فكرة عبقرية نبتلع بها بني كنانة .. لقد قررنا الزواج من الأميرة " جميلة" بنت عبد الغني ملك بني كنانة ورتبنا لذلك ترتيبا عظيما . صاح الوزير : نِعم ما هداك إليه فكرك أيها الملك المعظم. ولكن أحد الكبراء الحاضرين اعترض قائلاً: كيف يا مولاي؟ كيف تخمسون وأنتم زوج لأربعة ولا سبيل إلى تطليق إحداهن وإلا ثارت ثائرة القبائل .. ومخالفة الشرع بالتخميس – وإن كانت عندنا أهون وإلينا أحب– فإننا لا نأمن معها الفتنة والخروج . قاطعه الشيخ الطَّاوي بعد أن سوَّى عمامته فقال: ياهذا بأيِّ كتابٍ أم بأية سنة أفتيت (( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون )) ألم يقل الله في كتابه : (( فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع )) وحصيلة الأعداد المذكورة في الآية تسع زوجات، يؤيد ذلك السنة المطهرة فالنبي تزوج بتسع زوجات، ولم يرد في النهي عن التخميس شيء يعتد به، ثم صاح الشيخ قائلاً: سر على بركة الله يامولاي سدد الله خطاك وأيدك بنصره.سُرَّ الملك بالشيخ سرورًا عظيمًا فاحتفى به وأجزل له العطاء وأقطعه ضيعة عظيمة–رغم شحه –وأمر ألا يُفتى والطاوي بالمدينة
أعجبت الأميرة " جميلة" بذلك الشيخ الفتيِّ الشجاع الذي تخضبت يداه بدماء أشجع الفرسان، فرضيت به زوجا وعُقِد قرانهما في الحال .. وعلقت الزينات وأقيمت الأفراح، وزفت الأميرة إلى فيشلة الأعظم في الليلة نفسها وفي ثيابه المخضبة بالدماء .. ودخل العروسان السعيدان غرفة الزوجية وبعد قليل أقلقت الأميرة حالة الإعياء الشديد البادية على وجه فيشلة ،وتوجست خيفة من ذلك فتماسك فيشلة وقَبَّلها بصعوبة بالغة ،ولكنه سرعان ماتهاوى بجسده الثقيل على الفراش وظل يتصبب عرقا ويتأوه بشدة من آلام شتى هاجمته دفعة واحدة ؛ حتى إنه جعل أصابعه في أذنيه عساه أن يخفف من حدة أوجاعها.. فاغتمت الأميرة لذلك وأشفقت عليه وأتت بمنديلها الحريري وراحت تغمسه في ماء الورد لتجفف به عرقه وتمسح الدماء العالقة بيديه فدهشت الأميرة عندما لحظت أن لون الدماء لا يزول بالماء وكأنما هو صبغ ثابت .. وبينما هي تعتني به تقيأ بشدة وبلل ملابسه وسرواله وفراشه ، فنزعت على الفور عنه ملابسه كلها؛ فكانت المفاجأة غير المتوقعة التي شهقت لها الأميرة شهقة عظيمة ولطمت خديها إذ رأت أن فيشلة الأعظم كان بلا .... !! من غير بتر أو جَبٍّ فدارت بها الدنيا وكادت تتهاوى فاقدة الوعي لكنها تماسكت وسترت جسده ،ثم صاحت في الخدم ليستقدموا الأطباء والحكماء... ولكن قبل أن يصل هؤلاء كان فيشلة قد أسلم الروح بوجه شنيع بشيع .. وظلت الأميرة تبكي بكاء مريرا متواصلاً على فجيعتها، وتساءلت كثيرا من أين أتى بابنه الذي ينتسب إليه ؟ ذلك الابن الذي يشبه أمه تماما، وتعجب الناس من حبها العظيم لفيشلة وهو لم يقض معها ليلة كاملة ، وتعجبوا لوفائها الفريد الذي لم يشبه تلون حتى صارت أحدوثة ومضربًا للمثل ..
منع فيشلة الصغير " وسيم بن فيشلة المعظم " زوجة أبيه من مغادرة القصر، فقد اعتبرها تراثا ورثه فيما ورث عن أبيه، بل أراد نكاحها والعقد عليها فأبت عليه وقالت: نولك والله ما في السماء السابعة أقرب إليك مما أردت . .ولما ذكَّرته بأنها محرمة عليه؛ لأنها زوجة أبيه .. أرسل في طلب المشايخ وعلى رأسهم الشيخ الطاوي الذي قال لها: يابنيتي إن الله قال: ((ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم)) ومولانا فيشلة المعظم – طيب الله ثراه – لم ينكح ..فقالت : لكنه عقد علي ولمسني وقبلني .. ورأيت منه ما ترى المرأة من زوجها و.. ونظرت إلى فيشلة الصغير وسكتت قبل أن تتم كلمتها.فأجابها قائلاً: لا ضير ..فإن الختانين لم يلتقيا ... وقبل أن يتم الشيخ عبارته تعالت صيحات عارمة خارج القصر، وسُمعت جلبة عظيمة اضطرب لها جميع من بالقصر .. بيد أن رجالا من قوم فيشلة ورجالا من بني كنانة ضاقوا ذرعا بما يجري، وفاض بهم الكيل، فأشعلوا الحرائق ، ولعنوا فيشلة المعظم ونددوا بفيشلة الصغير ، وحاصروا القصر حصارا شديدا وما زال حصارهم مستمرًا ... بتصرف
هناك ١٠ تعليقات:
بوركت على ذلك التحقيق البارع لرسالة أكل الزمان عليها وشرب ،ولكن الله رزقنا أمثالك لكي يخرجوا لنا كل نتن وخرب من أقاصيص ذلك العالم النتن
حبيت أسيب تعليق ع المدونة الرائعة
و تحقيق تلك المخطوطة النادرة
تسلم إيدكـ
البوست طويل وانا عايز انام وانت ما بتكتبش حاجه لوجه الله ودايما ورا كتاباتك حاجات عايزه تتفهم وعشان كدا انا جيت فرحا مهللا بعودتك الميمونه وبعدين بكره بقى فى الروقان اقرأ الموضوع واقلبه على كل جوانبه حتى استطيع ان افهم ايه موضوع فيشله
تصبح على خير
يا كحيان انت عايز تقول ايه؟
هذه القصه لها اصل فى الحياه
فالمفتيين يذللوا للسلطان ما عجز عن تذليله ويحللوا له الحرام ويحرموا له الحلال وما فيشله الا واحد منهم وابن فيشله وريث ابيه يفعل كل شيئ بفتاوى المضللين من علماء الدين
انت مش حتجيبها البر يا كحيان
بذمتك فيه مخطوطه بتقول الكلام ده ومين اللى قدر يكتبها تلاقيه فى سابع موته
مجهود رائع و سعي مشكور بتدوين مخطوطه حفظها الزمان و القي بها الانسان الي غياهب النسيان
مررت لتحيتك بعد طول غياب
وتقول مخطوطه
والله يا اخى انها تحكى الواقع
وانا اتفق مع استاذ فشكول الاخ العزيز فى انها واقعيه جدا
ويقال ان هناك فتوى بعدم توريث الحكم
والدليل
ولا تنكحوا ما نكح ابائكم
وهذا معناه الا يتولى فيشه الصغير الحكم
بس الشيخ الطاوى سيجد حلا بالتأكيد
شرفتنى بالزياره
ومدونتك رائعه جدا
وسأكون متابع لها باذن الله
تحياتى
الأخ غير المعروف وكأني بك أحد البصاصين فقد فاحت رائحتك وبان خبث طويتكم والله المستعان على ما تصف شكرا على مرورك الكريم .
ـــــــــــــــ
شكرا لك ياأخي حسين على مرورك ولا أدري لم تصر أنت وعم فشكول على عملية الإسقاط على الواقع وتفسرون كل شيء وفق نظرية المؤامرة سامحكما الله ألا تعلمان أن التاريخ يكرر نفسه دائما والوقائع تتكرر آلاف المرات أنا غلطان إني جمعت هذه المخطوطة من الزبالة شكرا على تعليقك القيم .
ــــــــــــــــــــــــــ
عم فشكول الحبيب
أنا قلت أبطل فلسفة وأشتغل في تحقيق المخطوطات وترميمهاأحسن أهو أنشغل بالماضي لألتهي به عن الحاضر أحسن لكن برضه إنت مش سايبني في حالي لا حاضر نافع ولا ماضي نافع يعني أشتغل في ملف المستقبل وأركب آلة الزمن وأعمل زي خضراء اليمامة يمكن يعجب ؟ رسيني ياعم فشكول الله يخليك .
ــــــــــــــــــــ
أحوال الهوى حمدا لله على سلامتك. شكرا على مرورك وليت تواصلنا يدوم بلا انقطاع .
التاريخ دائما ما يعيد نفسه ومعظم الحكام يتشابهون مهما تمر السنون
شكرا ...ارجو قبول مرورى
السلام عليكم
لم تدخل على حكايه المخطوطه
وفشله هذا فى كل زمان ومكان
وكمان الشيخ الطاوى موجود فى كل زمان
ومكان وأفتى بأن الفائده على الأموال
بالبنوك حلال حلال حلال
بس مدونه جميله وبتقول وتستحق الزياره
وسأعود لإستكمال جولتى فى أرجائها
وتقبل تحيتى ومرورى
إرسال تعليق