الأربعاء، أغسطس ٢٧، ٢٠٠٨

يوميــات باحث عبيـــط - الثانية




وعند بوابة كلية الآداب، رغم أنه لا توجد مناسبة معينة أو اضطرابات ما؛ فقد واجهني عدد لا قبل لي به من المخبرين والعسكريين والبصاصين والخباصين، ، طلب أحدهم إبراز البطاقة الشخصية وظل يحملق فيها ويقلبها ذات اليمين وذات الشمال،ومال آخر إلى أذني متسائلا في خبث: لماذا أتيت من القاهرة إلى الإسكندرية؟ وجذب ثالث حقيبة يدي ودفن رأسه فيها، ثم طلب مني أن أتركها هنا وعندما أنهي مهمتي بسلام أتسلمها، وكاد رابع غشيم أن يفعل شيئا ما لكن شخصا آخر- يبدو من حجم رأسه أنه زعيمه- زجره ونهاه بعينه؛ لأن إجراء التفتيش الذاتي لا يكون في مثل هذه الأماكن العامة المفتوحة – والله أعلم- ... المهم أني عبرت البوابة بسلام، فحمدت الله على النجاة، وقد ألهمني الله بعض الأدعية التي تقال عند اشتداد الأمور، وطلب دفع الشر وقضاء الحاجة، ثم دخلت المكتبة، ولم يستقبلني أحد فثمة ثلاث سيدات نائمات على الموائد وعلى مبعدة منهن رأيت أكواما كبيرة من الكتب على هيئة الهرم ممزقة ومشوهة، وتنبعث منها روائح تذكربصناديق القمامة، والمكان غير مهندم ولا مرتب على الإطلاق. ظل النسوة النائمات يتحادثن ويثرثرن بصوت مرتفع، ولم ينتبهن لوجودي،إلا عندما تنحنحت، وفجأة مثل أمامي موظف لا أدري من أين نبت، قال: خير؟ قلت: أريد أن أطلع على رسالة ماجستير و مقالة بمجلة كذا وذكرت بياناتهما قال: لا بد من أن تدفع عشرة جنيهات أولاً قبل الاطلاع؛ حيث إن هناك لوائح جديدة اخُترعت في هذه الأيام المباركة السوداء تلزم كل باحث أن يدفع هذه الإتاوة قبل الاطلاع، قلت لعل ما سأطلع عليه يكون بلا قيمة أو لا يفيدني. قال: لا بد من الدفع. فدفعت بالتي هي أحسن عشرة الجنيهات المطلوبة، وانتظرت أن يأتيني أحد بطلبتي، فجاءتني امرأة أحسبها موظفة- وما أكثر الموظفين والموظفات في هذا المكان- وسرت خلفها حتى أوصلتني إلى المخزن وهو في البدروم، وقالت: ابحث هنا وعندما تعثر على بغيتك أخبرني. وتركتني وحيدا وانصرفت لتكمل نومها. وكان المخزن قبيحا دميما غير منسق والكتب تفوح منها رائحة كريهة ورطوبة وعطونة لا مثيل لها إلا في المقابر، إذ لا توجد منافذ أو تهوية أو شيء من هذا القبيل، وظللت أبحث وأنقر حتى أدركني اليأس؛ فالمجلات على كثرة أعدادها غير منسقة ولا مرتبة، والأعداد مبعثرة في كل مكان - يبدو أن المكتبة لم تسمع بعد باختراع الفهرسة أو الحوسبة - ولكني وضعت يدي على عدد فإذا به هو، وخرجت بعد قرابة نصف الساعة منهك القوى ومبلل الثياب - من شدة العرق- سعيدا لحصولي على مرادي بعد كد وعناء. وصعدت بنفسي إلى الدور الثالث لادفع الإتاوة- قيل إن هذه الإتاوة تُجمع من أجل تحسين الخدمات في المكتبات هكذا أرجف غير مرجف في الجامعة- ودخلت متعجلا حماما في آخر الطرقة، وكأني أسمع جلبة في الخارج فقلت أقضي حاجتي أولاً، ولكني فوجئت أن المياه منقطعة فخرجت على الفور فوجدت امرأة منفعلة تصيح وتضرب كفا بكف، وتخبرني أن هذا حمام خاص بالسيدات لا يصح لي دخوله، فاعتذرت لها بشدة وحمدت الله أني لم اقض حاجتي ولكني نظرت إلى باب الحمام لأتحقق كيف أنه فاتني النظر إلى اللافتة، الغريب أنني لم اجد لافتة أو إشارة أو تنبيها أو ورقة مختومة بشعار النسر الشريف تقول إن هذا الحمام خاص بالسيدات!!. هبطت مرة أخرى إلى الدور الأول وطلبت تصوير المقالة التي صُورت بعد ساعة من الزمن أو يزيد رغم عدم وجود زبائن، وذلك بثلاثة جنيهات فقط لا غير، وأما الرسالة فقد اطلعت عليها فوجدتها لا تسمن ولا تغني من جوع كالعهد برسائلنا العلمية في هذا الزمان الذي تلفق فيه الرسائل تلفيقا، وحمدت الله على ذلك؛ لأن الموظف – لا فض فوه- أنبأني أن تصوير الرسائل هنا ممنوع منعا باتا، لكن صديقا خبيثا نجسا يشهد له الكثيرون بالكفاءة العلمية قال لي - فيما بعد-: إنني عبيط لأنني لو أبرزت لأنجزت وقضيت حاجتي بخمسة جنيهات فقط، وقد جلست قليلا لأتصفح المقالة الجليلة التي شددت إليها الرحال، ودفعت من أجلها وحدها- 13 جنيها- هذا غير أجرة مواصلات الذهاب والإياب التي تعرفونها- فوجدتها غير ذات قيمة، والكلام فيها مجرد تحصيل حاصل كما يقولون، وخرجت من المكتبة سعيدا مسرورا ميمما وجهي شطر مكتبة الإسكندرية حفظها الله .